وما وَبالُ ذلك عائداً على غيرهم. ثمَّ بيَّن كيف يعودُ وَبالُه عليهم بقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) أي: نصيباً من الثواب، (وَلَهُمْ) بدَلَ الثَّواب (عَذابٌ عَظِيمٌ)، وذلك أبلغ ما ضرّ به الإنسان نفسه ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكفر سريعاً غرضه مراغمة المؤمنين وإيصال المضرة إليهم، يدل عليه إيتاء قوله: (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً) رداً وإنكاراً لظن الخوف، وإلى هذا المعنى أشار صاحب "المفتاح": ربما جعل ذريعة إلى التنبيه للمخاطب على الخطأ.
قوله: (ثم بين كيف يعود وباله عليهم) يعني: أصل الكلام: لن يضروا الله شيئاً، بل أنفسهم يضرون، فوضع المفسر وهو قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، موضع المفسر المحذوف، وهو قوله: بل أنفسهم يضرون، وفيه أن الله خلق الخلق ليعبدوا فيربحوا وينالوا حظاً في الآخرة، فهؤلاء بدلوا ذلك الحظ بسبب المسارعة في الكفر بالعذاب العظيم، وأي مضرة أبلغ من ذلك؟ وإليه الإشارة بقوله: "وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه".
قوله: ((وَلَهُمْ): بدل الثواب (عَذَابٌ عَظِيمٌ)) هذا ينبئ أن قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ) يدل على أن لكل أحد حظاً في الآخرة لولا أنه حرمه على نفسه بسبب الكفر والمعاصي، ويؤيده ما ذكر في "مريم" في قوله: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً) [مريم: 63]: "أورثوا من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا"، وعليه: ما ورد في سؤال منكر ونكير، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أما المؤمن فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة". الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وفي رواية أبي داود: "فينطلق به إلى بيت كان له في النار فيقال له: هذا كان لك ولكن الله عصمك فأبدلك به بيتاً في الجنة" الحديث.