فإن قلتَ: هلّا قيل: لا يجعلُ اللَّهُ لهم حظاً في الآخرة! وأيُّ فائدةٍ في ذِكرِ الإرادة؟ قلتُ: فائدتُه الإشعار بأنّ الداعيَ إلى حِرمانِهم وتعذيبِهم قد خَلَصَ خُلوصاً لم يَبقَ معه صارفٌ قطُّ حين سارَعُوا في الكُفر، تنبيهاً على تَمادِيهم في الطُّغيان وبُلوغهم الغاية فيه، حتى إنّ أرحم الراحمين مُريدٌ أن لا يرحمهم. (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ): إمّا أن يكونَ تكريراً لذِكْرهم للتأكيدِ والتَّسجيلِ عليهم بما أضافَ إليهم، وإمّا أن يكونَ عامًّا للكفّار، والأوّلُ خاصًّاً فيمن نافَقَ من المتخلِّفين، أوِ ارتدّ عن الإسلام أوْ على العَكْس. و (شَيْئاً) نصبٌ على المَصدر؛ لأن المعنى: شيئًا من الضَّرر وبعض الضرر (الَّذِينَ كَفَرُوا) فيمن قرأ بالتاء: نصب، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) بدلٌ منه، أي: ولا تحسبنّ أنّ ما نملي للكافرين خيرٌ لهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ ). السؤال والجواب مبني على مذهبه، والسؤال من أصله غير متوجه؛ لأنه عدول عن الظاهر، فإن قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ): استئناف لبيان الموجب، كأنه قيل: لم يسارعون في الكفر مع أن المضرة عائدة إليهم؟ فأجيب: بأنه تعالى يريد ذلك منهم، فكيف لا يسارعون؟
قوله: (إما أن يكون تكريراً لذكرهم) أي: هذه الآية والمتلوة قبلها سيان من حيث المعنى، فإن معنى (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) و (اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ) سواء، ألا ترى إلى قوله: (يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) يقعون فيه سريعاً ويرغبون فيه أشد الرغبة" لأن المشتري راغب في المشترى؟ و (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً) مقابل لمثله، وقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ) إلى آخره: تلخيص قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قوله: (أو على العكس) أي: الأول عام في الكفار، والثاني خاص في المنافقين، والأظهر أن يكون تكريراً لما سبق من بيان النظم.
قوله: (فيمن قرأ بالتاء) أي: الفوقانية: حمزة، قال الزجاج: (وَلا تَحْسَبَنَّ) على القراءة بالتاء لم يجز عند البصريين إلا بكسر "إن"، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم،