حتى وافوا بدراً فأقاموا بها ثماني ليال، وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيراً، ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين، ورجع أبو سفيان إلى مكة، فسمى أهل مكة جيشه جيش السَّويق. قالوا: إنما خرجتم لتشربوا السويق. فالناس الأوّلون: المثبطون، والآخرون: أبو سفيان وأصحابُه. فإن قلت: كيف قيل (النَّاسُ) إن كان نعيم هو المثبط وحده؟ قلتُ: قيل ذلك؛ لأنه من جنس الناس، كما يقال: فلان يركب الخَيْلَ ويلبس البُرود، وما له إلا فرس واحدٌ وبردٌ فَرد؛ أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه، ويَصِلون جَناح كلامِه، ويُثبِّطون مِثلَ تَثْبيطهِ. فإن قلت: إلام يرجعُ المستكنُّ في (فَزادَهُمْ)؟ قلت: إلى

المقُولِ الذي هو (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) كأنه قيل: قالوا لهم هذا الكلام فزادهم إيماناً؛ ........

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (جيش السويق)، قال ابن الجوزي: إن أبا سفيان قال: حرام أن ندهن حتى نثأر من محمد وأصحابه، فوصل إلى نحو المدينة فقتل رجلين وأحرق، ورأى أن يمينه قد حلت فهرب، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج في أثرهم، فجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون يلقون جرب السويق، فيأخذها المسلمون، ولم يلحقوه، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم وسميت الغزوة غزوة السويق.

قوله: (الأولون: المثبطون، والآخرون: أبو سفيان) يعني: في قوله تعالى: (قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) يروى الآخرون، بكسر الخاء وفتحها، وكلاهما جائزان، الجوهري: الآخر بعد الأول، وهو صفة، تقول: جاء آخراً، أي: أخيراً، وبالفتح: أحد الشيئين، وهو اسم إلا أن فيه معنى الصفة.

قوله: (ويصلون جناح كلامه) استعارة: شبه ما يصلونه من كلام بكلامه الذي يريد ترويجه عند المسلمين بقدح لا ريش له: فيوصل بالجناح ليكون سهماً مرسلاً، أو بطائر يريد الطيران فيضم إلى أجنحته ما يزيد به طيرانه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015