أو إلى مصدر (قَالُوا)، كقولك: مَن صَدَقَ كان خيراً له؛ أو إلى (الناس) إذا أريد به نُعَيمٌ وَحْدَه.
فإن قلت: كيف زادهم نُعَيمٌ أوْ مَقُولُه إيمانًا؟ قلتُ: لمّا لم يَسمَعُوا قولَه وأخْلصوا عنده النيَّة والعزمَ على الجهاد، وأظهَروا حَميّة الإسلام، كان ذلك أثبتَ ليَقينِهم وأقوى لاعتقادِهم، كما يزدادُ الإيقانُ بتناصُرِ الحُجج؛ ولأنّ خروجهم على أثر تثبيطه إلى وجهة العدو طاعة عظيمة، والطاعات من جملة الإيمان؛ لأنّ الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل. وعن ابن عمر: قلنا يا رسول اللَّه إن الإيمان يزيد وينقص؟ قال: «نَعمْ يزيدُ حتى يُدخِلَ صاحبه الجنّة. ويَنْقُصُ حتى يُدخِل صاحبَه النار». وعن عمر رضي اللَّه عنه: أنه كان يأخذ بيد الرجل فيقول: قُم بنا نزدَدْ إيمانًا. وعنه: لو وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ بإيمانِ هذه الأُمّة لرجَحَ به (حَسْبُنَا اللَّهُ) مُحْسِبُنا الله، أي: كافِيْنا. يقالُ: أحسبَه الشيءُ إذا كَفاه. والدليلُ على أنه بمعنى المُحسب: أنك تقول: هذا رجلٌ حَسْبُك، فتصف به النكرة؛ لأنّ إضافته لكونِه في معنى اسم الفاعل غيرُ حقيقة. (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ): ونعم الموكول إليه هو. (فَانْقَلَبُوا): فرجعوا من بدر (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ): وهي السلامة وحذر العدوّ منهم (وَفَضْلٍ): وهو الربح في التجارة، كقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ). [البقرة: 198]، (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ): لم يلقَوا ما يَسوءهم من كيد عدوّ (وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ) بجرأتهم وخروجهم (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ): قد تفضَّل عليهم بالتَّوفيق فيما فعلوا.
وفي ذلك تحسير لمن تخلف عنهم، وإظهار لخطأ رأيهم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولأن خروجهم على أثر تثبيطه إلى وجهة العدو طاعة)، هذا مبني على أن الإيمان ذو شعب، وكل طاعة تزيد فيه، وعلى الأول كان الإيمان عبارة عن التصديق، والمراد بالزيادة: الطمأنينة في اليقين وأن تظاهر الأدلة يقوي اليقين.
قوله: (وفي ذلك تحسير لمن تخلف عنهم)، يعني في عطف قوله: (وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ)