لأنّ رأي عبد اللَّه كان في الإقامة بالمدينة، وما كان يستصوب الخروج، (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) يعنى: أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يتظاهرون بالإيمان وما ظهرت منهم أمارة تؤذن بكفرهم، فلما انخزلوا عن عسكر المؤمنين وقالوا ما قالوا؛ تباعدوا بذلك عن الإيمان المظنون بهم واقتربوا من الكفر. وقيل: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان؛ لأنّ تقليلهم سواد المسلمين بالانخذال تقوية للمشركين. (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ): لا يتجاوز إيمانُهم أفواههم ومخارج الحروف منهم، ولا تعي قلوبهم منه شيئًا. وذكر الأفواه مع القلوب تصوير لنفاقهم، وأنّ إيمانهم موجود في أفواههم معدوم في قلوبهم خلاف صفة المؤمنين في مواطأة قلوبهم لأفواههم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (تباعدوا بذلك عن الإيمان ... واقتربوا من الكفر) هذا يشعر بأن (أَقْرَبُ) عمل في الكفر وفي الإيمان، قال أبو البقاء: اللام في "الكفر" و"الإيمان" متعلقة بـ ((أَقْرَبُ)، وجاز أن يعمل فيهما؛ لأنهما يشبهان الظرف؛ لأن "أفعل" يدل على معنيين: على أصل الفعل، وعلى زيادته؛ فيعمل كل واحد من الطرفين بمعنى غير الآخر، فتقديره: يزيد قربهم إلى الكفر على قربهم إلى الإيمان، واللام على بابها، وقيل: هي بمعنى "إلى"، قال السجاوندي: (لِلْكُفْرِ) أي: لأهله، أو إليه، يلازم الكفر كل منهم كأنه قريب له يحنو عليه.

قوله: (لا يتجاوز إيمانهم أفواههم ومخارج الحروف منهم) مقتبس من قوله صلى الله عليه وسلم: "يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، الحديث أخرجه أبو داود عن أنس وأبي سعيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015