وذلك ما روي: أن عبد اللَّه بن أبيّ انخزل مع حلفائه، فقيل له، فقال ذلك.

(أَوِ ادْفَعُوا) العدوّ بتكثيرِكم سواد المجاهدين وإن لم تقاتلوا؛ لأنّ كثرة السواد مما يروع العدو ويكسر منه. وعن سهل بن سعد الساعدي ـ وقد كف بصره: لو أمكننى لَبِعتُ دارى ولحقت بثغر من ثغور المسلمين فكنت بينهم وبين عدوهم. قيل: وكيف وقد ذهب بصرك؟ قال لقوله: (أَوِ ادْفَعُوا) أراد أكثر سوادهم.

ووجه آخر؛ وهو أن يكون معنى قولهم: (لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا): لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا (لَاتَّبَعْناكُمْ): يعنون أن ما أنتم فيه لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب ليس بشيء، ولا يقال لمثله قتال، إنما هو إلقاء بالأنفس إلى الهلكة؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (انخزل مع حلفائه)، الأساس: كلمته فخجل وانخزل في مشيته: استرخى، وأقدم على الأمر ثم انخزل عنه، أي: ارتد وضعف.

قوله: (لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً) أي: ليس ما تدعونا إليه من جنس القتال، وإنما هو من جنس التهلكة، وهو من باب إخراج نوع من جنس وإدخاله في جنس آخر بالادعاء والمبالغة، كما إذا رأيت إنساناً تشجع وفاق أقرانه في الإقدام قلت لصاحبك: إذا أردت أسداً فعليك بفلان، وإنما هو أسد وليس آدمياً، بل هو أسد، وإليه الإشارة بقوله: "ولا يقال لمثله: قتال، وإنما هو إلقاء النفس إلى التهلكة"، وعلى الوجه الأول يراد بـ (قِتَالاً) نوع منه، أي: هذا الذي تدعونا إليه من القتال لا طاقة لنا به لضعفنا وشوكة العدو، ولذلك عرف القتال في قوله: "فأبوا القتال وجحدوا القدرة عليه رأساً"، وعلى الثاني: المنفي القتال، وعلى الأول: القدرة عليه؛ لأن التقدير: لو نحسن قتالاً تدعوناً إليه لاتبعناكم، يقال: فلان لا يحسن القتال، أي: لا يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان، وعليه كلام القاضي: لو نحسن قتالاً لاتبعناكم، وإنما قالوه دغلاً واستهزاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015