والمعنى: أنتم السبب فيما أصابكم، لاختياركم الخروج من المدينة، أو لتخليتكم المركز،

وعن علىّ رضي اللَّه عنه: لأخذكم الفداء من أسارى بدرٍ قبل أن يؤذن لكم، (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو قادر على النصر، وعلى منعه، وعلى أن يصيب بكم تارة ويصيب منكم أخرى، (وَما أَصابَكُمْ) يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين (فـ) هو كائن (بإذن الله) أي: بتخليته، استعار الإذن لتخليته الكفار، وأنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم؛ لأنّ الإذن مخل بين المأذون له ومراده،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وأنه لم يمنعهم منهم ليبتليهم)، أي: المسلمين من الكفار: عطف تفسيري على قوله: "استعار الإذن لتخليته الكفار"، وقد مر كيفية استعارة الإذن في هذه السورة.

فإن قلت: ذكرت أن الإذن مستعار لتيسير الأمور من تسهيل الحجاب، وبينت أن من قضى عليه الموت كأنه يستوفي مدة أجله ويطلب من الله تيسير ذلك، فما وجهه ها هنا؟ قلت: لما بنى التكليف على الاختيار والابتلاء، استعير ها هنا الإذن لتخلية الكفار وغلبتهم على المسلمين، فكأن التكليف يستدعي التخلية ويطلب التيسير للابتلاء. وقوله: (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ): عطف على محذوف يدل عليه قوله: (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) أي: ما أصابكم يوم التقى الجمعان فبتيسير الله لابتلاء المؤمنين والمنافقين، وليقع ما علمناه غيباً مشاهداً للناس، فيترتب عليه الجزاء. ويؤيده تقديره فيما سبق في قوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)، والثاني: أن تكون العلة محذوفة، وهذا عطف عليها، ومعناه: وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت، وليعلم الله، وقال فيه أيضاً: وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء، فعلى هذا يكون قوله: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) وعيداً للمنافقين، وطوى وعد المؤمنين ليفيد ضرباً مبهماً من الوعد، فقوله: " (وَلِيَعْلَمَ) وهو كائن" معناه: وليعلم الذي أصابكم يوم التقى الجمعان حال وجوده ليجازي عليه، وهو المعني بقولنا: ليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء.

قوله: (لأن الإذن مخل) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة، هو تعليل للاستعارة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015