فقسمها ولم يقسم للطلائع؛ فنزلت. يعنى: وما كان لنبيّ أن يعطى قومًا ويمنع آخرين، بل عليه أن يقسم بالسوية. وسمي حرمان بعض الغزاة «غلولًا» تغليظًا وتقبيحًا لصورة الأمر، ولو قرئ: (أَنْ يَغُلَّ) من أغل، بمعنى غل، لجاز (يَاتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) يأت بالشيء الذي غله بعينه يحمله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإنصاف: يعارضه ورود هذه الصيغة للامتناع العقلي كثيراً: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) [مريم: 35]، وكذا: (مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا) [النمل: 60].

قوله: (لم يقسم للطلائع)، النهاية: هم القوم الذين يبعثون ليطلعوا طلع العدو كالجواسيس، واحدهم: طليعة، وقد تطلق على الجماعة، والطلائع: الجماعات.

قوله: (تغليظاً وتقبيحاً لصورة الأمر)، الانتصاف: هذا مخالف لعادة لطف الله برسوله صلى الله عليه وسلم في التأديب ومزجه باللطف، (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ) بدأه بالعفو، فما كان للزمخشري أن يعبر بهذه العبارة.

وقلت: قد جاء أغلظ من ذلك بناء على التهييج والإلهاب، نحو قوله: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر: 65] أو التعريض: (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ) ومن هذا الأسلوب قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) [البقرة: 187] قال: كنى عن مباشرة النساء بالرفث استهجاناً لما وجد منهم قبل الإباحة، كما سماه اختياناً.

قوله: (بالشيء الذي غله بعينه) أي: لا يؤول قوله: (يَاتِ بِمَا غَلَّ) بما احتمل من وباله وإثمه، بل يجري الكلام على حقيقته كما جاء في الحديث، والحديث من رواية البخاري ومسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك"

طور بواسطة نورين ميديا © 2015