حتى أثابهم غمًّا بغم وآساهم بالمباثة بعدما خالفوه وعصَوْا أمَره وانهزموا وتركوه. (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) جافيًا (غَلِيظَ الْقَلْبِ) قاسيه (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ): لتفرّقوا عنك حتى لا يبقى حولَكَ أحدٌ منهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ) فيما يختص بك، (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فيما يختص بحق اللَّه؛ إتماما للشفقة عليهم (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) يعنى: في أمرِ الحرْبِ ونحوِه مما لم ينزل عليك فيه وحْيٌ لتستظهر برأيهم، ولما فيه من تطييب نفوسِهم، والرفع من أقدارهم. وعن الحسن رضي اللَّه عنه: قد علم اللَّه أنه ما به إليهم حاجة، ولكنه أراد أن يستنّ به من بعده. وعن النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: «ما تشاور قومٌ قطُّ إلا هُدوا لأرشد أمرهم»، وعن أبى هريرة رضي اللَّه عنه: ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، وقيل: كان ساداتُ العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شقَّ عليهم فأمر اللَّه رسوله صلى اللَّه عليه وسلم بمشاورة أصحابه؛ لئلا يثقُلَ عليهم استبدادُه بالرأي دونهم. وقرئ: (وشاورهم في بعض الأمر) (فَإِذا عَزَمْتَ): فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) في إمضاء أمرك على الأرشد الأصلح،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعضها ببعض، فإن قلت: جعل الله تعالى الرحمة من الله علة للينه صلوات الله عليه مع أصحابه، وقد فسرها بأمرين، وثانيهما ظاهر المدخل في العلية، فبين وجه الأول؟
قلت: الشجاع الحقيقي من ملك نفسه عند الغضب كما جاء في صحاح الحديث: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"، فربط الله جأشه سبب لكسر سورة الغضب الموجب لغلظة القلب، والحمل على اللين، فاعجب بشدة هي في الحقيقة لين!
قوله: (بالمباثة) البث: إظهار الحال والحزن، الجوهري: أبثثتك سري، أي: أظهرته لك.
قوله: ((فَظّاً): جافياً)، الزجاج: الفظ: الغليظ الجانب السيء الخلق، يقال: فظظت تفظ فظاظة وفظظاً.