(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) 159].
«ما» مزيدة للتوكيد والدلالة على أنّ لِينَه لهم ما كان إلا برحمةٍ من اللَّه. ونحوه (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة: 13]، ومعنى الرحمة: ربطه على جاشه وتوفيقه للرفق والتلطف بهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ("ما": مزيدة للتوكيد والدلالة) لابد من تقدير محذوف ليصح الكلام؛ لأن الحصر مستفاد من تقديم الجار والمجرور على العامل، والتوكيد من زيادة "ما"، فالمعنى: "ما" مزيدة للتوكيد، والجار والمجرور مقدم للدلالة، فهو من باب اللف التقديري.
قوله: (ربطه على جأشه) بالهمز، الجوهري: يقال: فلان رابط الجأش، أي: شديد القلب، كأنه يربط نفسه عند الفرار لشجاعته.
قوله: (ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق) يعني: أفاد قوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ) في هذا المقام فائدتين: إحداهما: ما يدل على شجاعته، وثانيتهما: ما يدل على رفقه، وهو من باب التكميل، قال:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب
وقد اجتمع فيه صلوات الله عليه هاتان الصفتان يوم أحد، حيث ثبت حتى كر إليه أصحابه مع أنه شج وكسر رباعيته ثم ما زجرهم ولا عنفهم على الفرار، بل آساهم في الغم كما قال: (فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ)، وهو المراد بقوله: "ربطه على جأشه وتوفيقه للرفق"، وفيه أن هذه الآيات: من ها هنا إلى قوله: (فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ) مرتبط