على أنّ اللام مثلها في: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص: 8]؛ أو (لا تكونوا)، بمعنى: لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده، ليجعله اللَّه حسرة في قلوبهم خاصَّة ويصون منها قلوبكم. فإن قلت:

ما معنى إسناد الفعل إلى اللَّه تعالى؟ قلتُ: معناه: أنّ اللَّه عزَّ وعلا عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغمَّ والحسْرةَ في قلوبهم، ويُضيِّق صدورَهم عقوبةً، فاعتقادُه فعلُهم وما يكون عنده من الغمِّ والحسرة وضيق الصدر فعلُ اللَّه عزَّ وجلَّ كقوله: (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام: 125] ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه النهى، أي: لا تكونوا مثلهم، ليجعل اللَّه انتفاء كونِكم مثلَهم حسرة في قلوبهم؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ويجوز أن يكون ذلك إشارة): عطف على قوله: "بمعنى لا تكونوا مثلهم"، أي: يتعلق (لِيَجْعَلَ) بقوله: (لا تَكُونُوا) على أن يكون ذلك إشارة إلى القول والاعتقاد، أو يكون إشارة إلى ما دل عليه النهي.

وتلخيص الوجوه الثلاثة هو: أن التعليل في الوجه الأول دخل في حيز الصلة ومن جملة المشبه به، والمعنى: لا تكونوا مثلهم في القول الباطل والمعتقد الفاسد المؤديين إلى الحسرة والندامة والدمار في العاقبة، وفي الثاني: العلة خارجة عن جملة المشبه به، لكن القول والمعتقد داخلان فيه، أي: لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول واعتقاده ليجعل انتفاء كونكم معهم في ذلك القول والاعتقاد حسرة في قلوبهم خاصة، وفي الثالث: الكل خارج منه، والمعنى: ما قدر، أي: لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم، وقوله: (وَقَالُوا): ابتداء كلام عطف على مقدرات شتى كما تقتضيه أقوال المنافقين وأحوالهم، ودل على العموم قوله: "لأن مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون، ومضادتهم، مما يغمهم ويغيظهم"، وسيجيء مثل هذا القطع والابتداء بعيد هذا في قوله: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015