فإن قلت: كيف قيل:
(إِذا ضَرَبُوا) مع (قالُوا)؟ قلت: هو على حكاية الحال الماضية، كقولك: حين يضربون في الأرض فإن قلت: ما متعلق (ليجعل)؟ قلت: (قالوا)، أي: قالوا ذلك واعتقدوه؛ ليكون (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فحذفت الهاء تخفيفاً؛ لأن التاء دليل الجمع، وقد حصل ذلك من نفس الصيغة. وثانيهما: أنه أراد قراءة الجماعة فحذف إحدى الزاءين كراهية التضعيف.
قوله: (كيف قيل: (إِذَا ضَرَبُوا)؟ ) أي: القياس أن يقال: إذ ضربوا، لأن "إذا" مختصة بالاستقبال، والجملة واردة على صيغة المضي فناسب "إذ".
قوله: (على حكاية الحال الماضية) يعني: كان قولهم ذلك مقيداً في ذلك الزمان بهذا القيد، فاستحضر الآن أيها المخاطب تلك الحال لأنها مستمرة، وينصره ما قال الزجاج: (إِذَا) ها هنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل جميعاً، والأصل الماضي، تقول: أتيتك إذ قمت، والمعنى: إذا ضربوا في الأرض شأنهم هذا أبداً، ونحو: فلان إذا حدث صدق، وإذا ضرب صبر.
قوله: (كقولك: حين يضربون في الأرض) يعني: معنى قوله: (إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ) معنى حين يضربون في الأرض، ومؤداه مؤداه، قال أبو البقاء: يجوز "إذا" أن يحكى بها حالهم فلا يراد بها المستقبل، فعلى هذا يجوز أن يعمل فيها (قَالُوا) وهو للماضي، ويجوز أن يكون (كَفَرُوا) و (وَقَالُوا) ماضيين، ويراد بهما المستقبل المحكي به الحال، فالتقدير: يكفرون ويقولون لإخوانهم.
قوله: (ليكون (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ)) لما كان إيقاع الحسرة مترتباً على قولهم، من غير أن يكون الثاني مطلوباً بالأول، شبه بأمر مترتب على أمر يكون الأول غرضاً في الثاني على التهكم، ثم استعير لترتب المشبه كلمة الترتب المشبه به وهي اللام.