(اسْتَزَلَّهُمُ) طلب منهم الزَّلل ودعاهم إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ): طلب منهم الزلل). اعلم أن تأويل هذه الآية من المعضلات، والتركيب من باب الترديد للتعليق، كقول الشاعر:
لو مسها حجر مسته سراء
لأن قوله: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ): خبر (إِنَّ)، وزيدت "إن" للتوكيد وطول الكلام، و"ما": لتكفها عن العمل، وأصل التركيب: إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما تولوا لأن الشيطان وليهم بسبب اقتراف الذنوب، كقولك: إن الذي أكرمك إنما أكرمك لأنك تستحقه، ثم قوله: (اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ): ما أن يراد به ذنوب اقترفوها قبل التولي، فصارت تلك الذنوب سبباً لهذا التولي، فيكون من باب إطلاق السبب على المسبب، يدل عليه قوله: "كانوا أطاعوا الشيطان ... حتى تولوا"، ونحوه: إن الذي أعطاك إنما أكرمك لأنه جواد وأنت مستحق، أو أن يراد به هذا الذنب الخاص، وهو التولي يوم أحد، فهو المراد من قوله: "وقيل: استزلال الشيطان إياهم هو التولي"، فالمعنى: إن الذين انهزموا يوم أحد إنما ارتكبوا هذا الذنب لما تقدمت لهم الذنوب، والوجوه الآتية مترتبة على هذا الوجه بحسب تفسير (بَعْضِ مَا كَسَبُوا)، فإن أريد به: اقتراف الذنوب، كان المعنى: إن الذين انهزموا إنما انهزموا لأنهم اقترفوا ذنوباً قبل ذلك، وإليه الإشارة بقوله: "لأن الذنب يجر إلى الذنب"، وإن أريد به قبول ما زين لهم الشيطان، كان المعنى: إن الذين انهزموا إنما انهزموا لأنهم قبلوا ما زين لهم الشيطان من الهزيمة، وعلى هذا التقدير: "ما زين لهم الشيطان" هو تركهم المركز، يعني أنهم إنما انهزموا لما خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ثباتهم على المركز، وإن أريد به التذكير