والأجودُ أن يكونَ استئنافًا.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) 155].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: ما سأل هذا السؤال إلا بعد أن قال: "و (يَقُولُونَ): بدل من (يَظُنُّونَ) "، أي: كيف يصح ذلك الإبدال ومقول القول مسألة عن الأمر، والبدل إنما هو الكلام بجملته؟
قوله: (والأجود أن يكون استئنافاً) قيل: أي قوله: (يُخْفُونَ) لئلا يعترض بين الحال وذي الحال شيء.
وقلت: لا يخلو الضمير في قوله: "أن يكون استئنافاً" من أن يرجع إلى قوله: (يُخْفُونَ)، أو إلى (يَقُولُونَ) الثاني، فإن كان الأول فمورد السؤال قوله: (يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) وحده، فكأن سائلاً سأل عند هذا القول: هل سألوا ذلك سؤال المسترشدين كالمؤمنين أم لا؟ فقيل: لا، لأنهم يخفون في أنفسهم ما لا يبدون، وإن كان الثاني فمورد السؤال جملة قوله: (يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) مع الحال، وتقريره: ما ذلك القول الذي كانوا يخفون في هذا القول؟ فأجيب: يقولون: أي: يقولون في أنفسهم، قولاً معناه: لو كان لنا من الأمر من شيء ما قُتلنا ها هنا، ويدل على هذا التأويل قوله فيما سبق: "وهم فيما يبطنون على النفاق يقولون في أنفسهم"، وفيه إثبات الكلام النفسي، فكانت الجملة المعترضة توكيداً لهذا النعي عليهم، وأنت تعلم أن المعترضة مما يزين الكلام، فكيف يقال: لئلا يعترض بين الحال وذي الحال شيء؟ فقوله: (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) على التفسير الأول: تذييل، وعلى الثاني: اعتراض، فظهر أن الأجود أن يكون الاستئناف من قوله: (يَقُولُونَ)؛ لأنه إملاء فائدة، ويجوز أن يكون استئنافاً بعد استئناف.