(بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) من ذنوبهم، ومعناه: أنّ الذين انهزموا يوم أُحُدٍ كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبًا؛ فلذلك منعتهم التأييدَ وتقويةَ القلوبِ حتى تولَّوْا. وقيل: استزلالُ الشيطان إياهم هو التولّي، وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت لهم؛ لأنّ الذنب يجرّ إلى الذنب، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة وتكون لطفاً فيها. وقال الحسنُ رضي اللَّهُ عنه: استزلّهم بقبول ما زيَّن لهم من الهزيمة. وقيل: (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا): هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بالثبات فيه. فجرَّهم ذلك إلى الهزيمة.
وقيل: ذكَّرهم تلك الخطايا فكرهوا لقاءَ اللَّه معها، فأخَّروا الجهاد حتى يُصلحوا أمرهم، ويجاهدوا على حال مرضية. فإن قلت: لم قيل (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا)؟ قلت: هو كقوله تعالى (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). [المائدة: 15]، ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمعنى: إن الذين تولوا إنما تولوا لأن الشيطان ذكرهم مقارفة الذنوب التي تقدمت لهم، فلذلك كرهوا لقاء الله، والتركيب على التقادير من باب تحقيق الخبر، كقوله:
إن التي ضربت بيتاً مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول
وليس من باب أن الصلة علة للخبر، كقولهم: إن الذين آمنوا لهم درجات النعيم؛ لأن قوله: (بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) يأباه التحقيق.
قوله: (فلذلك منعتهم) أي: لأجل أنهم أطاعوا الشيطان واقترفوا ذنوباً منعتهم التأييد جزاء لهم على طاعة الشيطان.
قوله: (وتكون لطفاً فيها) أي: تكون الطاعة الأولى سبباً لمنح التوفيق على الطاعة الثانية.
قوله: (وقيل: ذكرهم تلك الخطايا): عطف على قوله: "وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت".
قوله: (هو كقوله تعالى: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [المائدة: 15])، قيل: يعني: بما كسبوا،