و (ظن الجاهلية) كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق، يريد الظن المختص بالملة الجاهلية، ويجوز أن يراد أهل الجاهلية، أي: لا يظنُّ مثل ذلك الظنِّ إلا أهل الشرك الجاهلون باللَّه. (يَقُولُونَ) لرسولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسألونه: (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) معناه: هل لنا معاشر المسلمين من أمر اللَّه نصيب قط؟ يَعنون النصر والإظهار على العدو (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ولأوليائه المؤمنين، وهو النصر والغلبة (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة: 21]، (وإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات: 173] (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) معناه: يقولون لك فيما يظهرون: (هل لنا من الأمر من شيء) سؤال المؤمنين المسترشدين، وهم فيما يبطنون على النفاق، يقولون في أنفسهم، أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم: (إن الأمر كله للَّه): (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)، أي: لو كان الأمر كما قال محمدٌ: إن الأمر كله للَّه ولأوليائه وأنهم الغالبون؛ لما غُلِبْنا قط، ولما قُتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) يعنى من عَلِمَ اللَّهُ منه أنه يُقتلُ ويُصْرَع في هذه المصارع،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال بعض الشارحين للمفصل: هذا يؤكد فعلك لا قولك، فإن قولك: "هذا عبد الله حقاً" جملة خبرية تحتمل الصدق والكذب، وقولك: "حقاً" بمنزلة قولك: حق ذلك حقاً، أي: ثبت ما حكمت بأن المشار إليه عبد الله.

وقال ابن الحاجب: (غَيْرَ الْحَقِّ) و (ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ): مصدران، أحدهما: للتشبيه والآخر: توكيد لغيره، والمفعولان محذوفان، أي: يظنون أن إخلاف وعده حاصل.

قوله: (حاتم الجود، ورجل صدق) من إضافة الاسم إلى المصدر، وكان الأصل حاتم الجواد ورجل صادق على الصفة، ثم أضيف الموصوف إلى الصفة لزيادة التخصيص، ثم لما أريد مزيد مبالغة جعلت الصفة مصدراً، نحو: رجل عدل، فالإضافة بمعنى اللام، ولا بد من تقدير موصوف ليستقيم المعنى، ولهذا قال: "يريد الظن المختص بالملة الجاهلية".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015