وَكُتِبَ ذلكَ في اللوحِ لم يكنْ بُدُّ من وجوده، فلو قعدتم في بيوتكم (لَبَرَزَ) من بينكم (الَّذِينَ) علم اللَّه أنهم يُقتلون (إِلى مَضاجِعِهِمْ)، وهي مصارعهم ليكون ما علم اللَّه أنه يكون. والمعنى أن اللَّه كتب في اللوح قتْلَ من يُقتلُ من المؤمنين، وكتَبَ مع ذلك أنهم الغالبون، لعلمه أن العاقبة في الغلبة لهم، وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله، وأن ما يُنكبونَ به في بعْضِ الأوقات تمحيص لهم، وترغيبٌ في الشهادة، وحِرْصُهم على الشهادة مما يحرّضهم على الجهاد، فتحصل الغلبة. وقيل: معناه هل لنا من التدبير من شيء؟ يعنون: لم نملك شيئًا من التدبير؛ حيث خرجْنا من المدينة إلى أحد، وكان علينا أن نقيمَ ولا نبرح، كما كان رأي عبد اللَّه بن أبيّ وغيْره، ولو ملكْنا من التدبير شيئاً لما قُتلنا في هذه المعركة، قل: إن التدبير كله للَّه، يريد: أن اللَّه عز وجل قد دبَّر الأمرَ كما جرى، ولو أقمتُم بالمدينةِ ولم تخرجوا من بيوتكم لما نجا من القتْلِ من قُتِلَ منكم. وقرئ: (كتب عليهم القتال) (وكتب عليهم القتل)، على البناء للفاعل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لم يكن بد من وجوده) أي: من وجود أنه يقتل، ويجوز أن يرجع الضمير إلى من، أي: لابد من وجود من علم الله منه أنه يقتل.
قوله: (وقيل: معناه هل لنا من التدبير من شيء؟ ) عطف على قوله: "هل لنا معاشر المسلمين من أمر الله نصيب؟ " فعلى هذا، الاستفهام بمعنى الإنكار، وإليه الإشارة بقوله: "لم نملك شيئاً من التدبير"، وعلى الأول: سؤال استرشاد لكن على النفاق.
قوله: (قل: إن التدبير كله لله) جعل المصنف (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) جواباً لقوله: (هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ)، وجعل الأمر في السؤال والجواب شيئاً واحداً، وحيث جعل الأمر بمعنى النصر أعاد في الجواب النصر، وحيث جعل بمعنى التدبير أعاد التدبير في الجواب، وذلك أن المعرف باللام إذا أعيد لم يكن غير الأول.