(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) الذي لم ينقلبوا، كأنس بن النضر وأضرابه، وسماهم شاكرين؛ لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا. المعنى: أن موت الأنفس محال أن يكون إلا بمشيئة اللَّه، فأخرجه مخرج فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا أن يأذن له الله فيه تمثيلاً؛ ولأن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وسماهم شاكرين) إشارة إلى مجاز في الكلام، أي: وضع الشاكرين موضع الثابتين على الإسلام تسمية للشيء باسم سببه، إذ أصل الكلام: ومن ينقلب على عقبيه يكن كافراً لنعمة الله التي أنعم عليه بالإسلام، فيضر نفسه حيث كفر نعمة الله، والله يجزيه ما يستحقه، ومن ثبت عليه يكن شاكراً لتلك النعمة والله يجزيه الجزاء الأوفى! ولم يذكر ما يجزي به ليدل على التعميم والتفخيم، ففي الكلام تعريض، وإليه أشار بقوله: " (الشَّاكِرِينَ): الذين لم ينقلبوا كأنس بن النضر وأضرابه".

قوله: (المعنى: أن موت الأنفس محال أن يكون إلا بمشيئة الله)، يعني: ليس لأحد تأخير أجله ولا تقديمه، بل ذلك بمشيئة الله، فاستعير للمشيئة الإذن على التمثيل، بأن شبه حال من يحاول ما يتوصل به إلى موته من طلب تسهيله لا يجد إلى ذلك سبيلاً إلا بتيسير الله، بحال من يتوخى الوصول إلى قرب من هو محتجب عنه ولا يحصل مطلوبه إلا بإذن منه وتسهيل الحجاب له، ونحوه قوله في تفسير قوله: (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) [إبراهيم: 1]: أي: تسهيله وتيسيره، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب، ومعنى هذا الوجه قريب من معنى قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم" [البقرة: 234] على بناء الفاعل، وفيه أن الموت مقطوع حصوله وأن أسبابه متآخذة، حتى إن الذين يفر منه فهو في الحقيقة طالبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015