والانقلاب على الأعقاب: الإدبار عما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقوم به من أمر الجهاد وغيره. وقيل: الارتداد. وما ارتد أحد من المسلمين ذلك اليوم إلا ما كان من قول المنافقين. ويجوز أن يكون على وجه التغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإسلامه (فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً) يعني: فما ضر إلا نفسه؛ لأن اللَّه تعالى لا يجوز عليه المضارّ والمنافع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعصمه من الناس ألبتة، لكن لم لا يجوز أن حمل العصمة على غير القتل من الإضلال وغيره؟
قوله: (إلا ما كان من قول المنافقين) استثناء منقطع، ويجوز أن يكون من باب قوله:
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس
قوله: (ويجوز أن يكون على وجه التغليظ): عطف على قوله: "ما ارتد أحد من المسلمين"، أي: يجوز أن ينسب الارتداد إلى المسلمين تغليظاً، كقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) تعظيماً لما صدر عنهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذلانه.
الأساس: كشف عنه الثوب وكشفه، وانكشف، ورجل أكشف: لا ترس معه.
وقلت: ومن ثم سمي الترس جنة، كأنها تستر صاحبه عما يصيبه من العدو.
قوله: (وإسلامه) من أسلمه: إذا خذله، والمصدر مضاف إلى المفعول، أي: غادروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد الكفار.
قوله: (فما ضر إلا نفسه) جعلهم كأنهم زعموا أنهم يضرون الله ورسوله لا أنفسهم، أو يضرون أنفسهم معه، فإذا انقلبوا رجعت المضرة إلى من يضرونه، فرد عليهم بـ "لن" في قوله تعالى: (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ)، أي: لا يضرون الله شيئاً، وإنما يضرون أنفسهم.