والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلو الرسل قبله سبباً لانقلابهم على أعقابهم بعد هلاكه بموت أو قتل، مع علمهم أنّ خلو الرسل قبله، وبقاء دينهم متمسكاً به، يجب أن يجعل سببا للتمسك بدين محمد صلى اللَّه عليه وسلم، لا للانقلاب عنه. فإن قلت: لم ذكر القتل وقد علم أنه لا يقتل؟ قلت: لكونه مجوّزا عند المخاطبين. فإن قلت: أما علموه من ناحية قوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: 67] قلت: هذا مما يختص بالعلماء منهم وذوى البصيرة، ألا ترى أنهم سمعوا بخبر قتله فهربوا، على أنه يحتمل العصمة من فتنة الناس وإذلالهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الاسم ليعلم الذي استفهمت عن قيامه من هو؟ وكذا قولك: ما زيد قائماً: إنما نفيت القيام ولم تنف زيداً؛ ليعلم من الذي نفي عنه القيام، كذلك ها هنا، المنكر: انقلابهم على أعقابهم لا الموت، وإن دخلت الهمزة عليه، فتقرير المصنف ها هنا تلخيص كلام الزجاج، يعني: حكمه حكم سائر الأنبياء المتقدمة في أنه إذا مات أو قتل يجب إتباع دينه، فإن مات أو قتل لم كان منكم النكوص؟
وأما كلام صاحب "المفتاح" أن التركيب من باب القصر الإفرادي، أي: محمد مقصور على الرسالة لا يتجاوزها إلى البعد عن الهلاك، يعني أنهم أثبتوا له صفة الرسالة والخلد استعظاماً لهلاكه، فقصر على صفة الرسالة فحديث خارج من مقتضى المقام وبمعزل عن موجب النظم، ويؤيده قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، كما قال: إنه تعريض بما أصابهم من الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (على أنه يحتمل العصمة من فتنة الناس) يعني: إن سلم أنهم علموا أنه تعالى