ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحد، يعني: لا يكن في صدوركم حرج مما أصبتم؛ فإن ذلك شأننا وسنتنا في الأولين من الأنبياء السالفة والأمم الخالية، فلكم فيهم أسوة حسنة؛ وليتميز الثابت على الإيمان ممن نكص على عقبيه؛ ولتصفية المؤمنين وتطهيرهم مما آثروا عرض الدنيا على الآخرة، حيث أخذوا الفدية من أسارى بدر وتركوا أئمة الكفر أحياء؛ وأن الله تعالى يريد أن يحق الحق ويمحق الباطل باستئصالهم، فقوله ها هنا في معنى التمييز، كما في قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا) الآية؛ لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.

فإن قلت: على ما ذكرت ما معنى عطف قوله تعالى: (وَيَتَّخِذَ) على "يعلم"؟ وكيف عطل (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) على (وَيَتَّخِذَ) مع اختلافهما: فعلية واسمية؟ قلت: (وَيَتَّخِذَ) مع معطوفه عطف على "يعلم" عطف المفصل على المجمل، كما عطف قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ) الآية [البقرة: 74]، على قوله: (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)؛ بياناً له، وإنما حسن عطف الاسمية على الفعلية؛ لما يراد من الأولى: التجدد، ومن الثانية: الاستمرار، كأنه قيل: ليحدث بذلك التمييز كرامة أوليائه الذين ثبتوا بالشهادة ويستمر على المتزلزلين بغضه، ففيه معنى التصديق، كأنه قيل: إن الله يحب الثابتين على الإيمان الذين عرج بهم على منازل الصديقين والشهداء، ولا يحب المتزلزلين الذين ظلموا على أنفسهم بالنكوص على أعقابهم، على ما تقرر في قوله تعالى: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [الروم: 45] أنه من باب الطرد والعكس، وعلى هذه الوتيرة وردت القرينة اللاحقة. قال الإمام: قوبل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين؛ لأن تمحيص هؤلاء بإهلاك ذنوبهم نظير محق أولئك بإهلاك أنفسهم، وهذه مقابلة لطيفة. انتهى كلامه. فقد تبين من هذا التقرير أن الواو في (وَتِلْكَ الأَيَّامُ) استئنافية، وفي (وَلِيَعْلَمَ) عطف معنوي، وفي (وَيَتَّخِذَ) بياني، وفي (وَلِيُمَحِّصَ) عطف شفع على شفع، وفي (والله لا يحب)، (وَيَمْحَقَ) عطف وتر على وتر، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015