وهو أن يعلمهم موجوداً منهم الثبات. والثاني أن تكون العلة محذوفة، وهذا عطف عليه، معناه:
وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت، (وليعلم اللَّه). وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة؛ ليسليهم عما جرى عليهم، وليبصرهم أن العبد يسوؤه ما يجرى عليه من المصائب، ولا يشعر أنّ للَّه في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه. (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ): وليكرم ناسا منكم بالشهادة،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: ليختبره بأعمالكم؛ لأنه قد علمه غيباً فيعلمه شهادة، لأن المجازاة تقع على ما علم مشاهدة، أعني: على ما وقع من عامليه، لا على ما هو معلوم منهم.
قوله: (موجوداً منهم الثبات) الثبات: مفعول أقيم مقام الفاعل، لقوله: "موجوداً".
قوله: (وفعلنا ذلك) "ذلك": إشارة إلى قوله: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا) [آل عمران: 140]، فالمعلل مذكور، وإحدى العلل محذوفة على عكس الأول، وفائدة الحذف: التعميم. فإن قلت: فلم قدر المعلل في الوجه الأول متأخراً؟ قلت: ليفيد ضرباً من التخصيص، أي: ما فعلت تلك المداولة إلا لمثل هذه الأغراض، فإن أفعال الله عندهم معللة بالغرض، وعند أهل السنة هذا من باب التمثيل.
قوله: (وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت)، أي: سلطناهم عليكم لرفع درجاتكم، ولأن الأيام دول ولاستدراجهم ونحوها، وليتميز الثابتون عن المتزلزلين.
قوله: (للإيذان بأن المصلحة): تعليل للحذف، وقوله: "ليسليهم": تعليل لمضمون الجملة، وهو الحذف للإيذان.
قوله: (وليكرم ناساً منكم بالشهادة) كنى بالاتخاذ عن الإكرام؛ لأن من يتخذ شيئاً يتخذه لينتفع به أو يتزين به، كقوله تعالى: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه: 41]؛ لأن الشهيد مقرب حاضر في حظيرة القدس.