ويجوز أن يكون قوله: (قَدْ خَلَتْ) جملة معترضة للبعث على الإيمان وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين، ويكون قوله: (هذا بَيانٌ) إشارة إلى ما لخص وبين من أمر المتقين والتائبين والمصرّين. (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا): تسلية من اللَّه سبحانه لرسوله صلى اللَّه عليه وسلم وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد، وتقوية من قلوبهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) تسلية من الله لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أحد)، هذا يؤذن أن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً) إلى آخر الآيات مستطردة بين القصة، وسلوك طريقة النظم فيها صعب، ولهذا قال الإمام: من الناس من قال: إنه تعالى لما شرح عظيم نعمته على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح لهم في أمر الدين وفي أمر الجهاد، أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهي، والترغيب والتحذير، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا الرِّبَا)، فعلى هذا تكون الآية ابتداء كلام لا تعلق لها بما قبلها، وقال القفال: يحتمل أن يكون متصلاً بما تقدم من جهة أن المشركين إنما أنفقوا على تلك العساكر أموالاً جمعوها بسبب الربا، فلعل ذلك يصير داعياً للمسلمين على الإقدام على الربا حتى يجمعوا المال وينفقوا على العساكر فيتمكنوا من الانتقام منهم، فلا جرم نهاهم الله تعالى عن ذلك؟ .
والذي نقولـ والعلم عند اللهـ: إنه تعالى لما عاتب رسوله صلوات الله عليه بقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) أتبعه قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً) بمعنى أنك ما بعثت أن تتصرف في الأمور الإلهية كما سبق في موضعه، ولكنك عبد مبعوث للإنذار والبشارة، وهؤلاء الكفار أمرهم في التوبة أو التعذيب إلى مالكهم، وما كان عليك سوى الإنذار، فقد أنذرتهم وبذلت وسعك فيه، ففوض أمورهم إلى الله: إن شاء تاب عليهم وإن شاء عذبهم، وانثن بالإنذار إلى أصحابك