يعني: ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم، أي: لا يورثنكم ذلك وهنا وجبنا، ولا تبالوا به، ولا تحزنوا على من قتل منكم وجرح (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ): وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب؛ لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد. أو: وأنتم الأعلون شأنا؛ لأنّ قتالكم للَّه ولإعلاء كلمته، وقتالهم للشيطان لإعلاء كلمة الكفر؛ ولأنّ قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار. أو هي بشارة لهم بالعلو والغلبة، أي: وأنتم الأعلون في العاقبةَ، (إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات: 173]، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلق بالنهي، يعني: ولا تهنوا إن صح إيمانكم، على أن صحة الإيمان توجب قوة القلب، والثقة بصنع اللَّه، وقلة المبالاة بأعدائه؛ أو ب (الأعلون)، أي: إن كنتم مصدّقين بما يعدكم اللَّه ويبشركم به من الغلبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في أمر عظيم ارتكبوه وهو محاربتهم مع الله في أمر الربا، قال الله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 279]، فأرهبهم بالنار ليحترزوا عن الربا، ورغبهم في الجنة وأمرهم بالاعتبار والنظر في عاقبة المكذبين، وبين لهم البيان الشافي، ثم مع ذلك كله لا يكن منك ولا من أصحابكم ضعف ووهن في الجهاد، ولا يورثنكم ما أصابكم حزناً في هذه الوقعة؛ لأن حالكم أعلى من حال الكفرة، لأن قتالكم: لله ولإعلاء كلمته، وقتالهم: للشيطان ولإعلاء كلمة الكفر، والله أعلم.

قوله: ((إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ): متعلق بالنهي) أي: تتميم له كالتعليل، لأن الخطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من الصحابة الكرام تسلية لما أصابهم يوم أحد، فلا جائز أن يجري على حقيقة الشرط.

قال المصنف في قوله تعالى: (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) إلى قوله: (إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً) [الممتحنة: 1]: " (إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ) متعلق بـ (لا تَتَّخِذُوا) أي: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي"، أيك لأجل أنكم أوليائي"، إذ المجاهد من الصحابة لا يكون إلا ولياً، ثم قال: "وقول النحويين في مثله: هو شرط جوابه محذوف". وسيجيء الكلام فيه في "الممتحنة" مستقصى إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015