وفي هذه الآيات بيان قاطع أنّ الذين آمنوا على ثلاث طبقات: متقون، وتائبون، ومصرّون، وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرّين، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فقد كابر عقله، وعاند ربه)، قال صاحب "الفرائد": دلت الآية على أن غير المصر يجب في الحكمة أن تغفر ذنوبه ويدخل الجنة، وأما المصر فالآية تدل على أن لا تغفر ذنوبه ولا يدخل الجنة، ومن عدم الدليل لا يلزم عدم المدلول، أراد بهذا إثبات مذهبه الذي هو أن العاصي المصر يبقى في النار خالداً، من غير دليل، فالمكابرة والمعاندة من جانبه، وقال القاضي: ولا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاءً لهم أن لا يدخلها المصرون، كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم.

وقلتـ والله أعلمـ: قوله تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) [آل عمران: 131 ـ 132] خطاب لآكلي الربا من المؤمنين ردعاً لهم عن الإصرار إلى ما يؤديهم إلى دركات الهالكين من الكافرين، وتحريضاً على التوبة والمسارعة إلى نيل درجات الفائزين من المتقين والتائبين، فإدراج المصرين في هذا المقام بعيد المرمى؛ لأنه إغراء وتشجيع على الذنب لا زجر وترهيب، وكان أصل الكلام أن يقال: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وارغبوا في الجنة التي أعدت للمتقين، فبين بالآيات معنى المتقين للترهيب والترغيب، ومزيد تصوير مقامات الأولياء ومراتبهم ليكون حثاً لهم في الانخراط في سلكهم، ولابد من ذكر التائبين واستغفارهم وعدم الإصرار ليكون لطفاً بهؤلاء، وجميع الفوائد التي ذكرها في قوله: (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ) تدخل في المعنى، فعلم من هذا أن دلالة مفهوم قوله: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ـ كما قالـ مهجور؛ لأن مقام التحريض والحث أخرج المصرين، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015