قال (أَجْرُ الْعامِلِينَ) بعد قوله: (جَزاؤُهُمْ)؛ [آل عمران: 87] لأنهما في معنى واحد، وإنما خالف بين اللفظين؛ لزيادة التنبيه على أنّ ذلك جزاء واجب على عمل وأجر مستحق عليه، لا كما يقول المبطلون. وروى أنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحى إلى موسى: «ما أقلّ حياء من يطمع في جنتي بغير عمل، كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي؟ !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا كما يقول المبطلون)، قال صاحب "الفرائد": هذا مآل مذهبه، وهو أن الجزاء واجب على الله تعالى من غير دليل؛ لأن الآية إنما تدل على أن العاملين يجازون بعملهم، فأما الوجوب على الله فغير مستفاد منها أصلاً، وقال القاضي: كفاك فارقاً بين القبيلين أنه فصل آيتهم، أي: قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ) بأن بين أنهم محسنون مستوجبون لمحبة الله لأنهم حافظوا على حدود الشرع وتخطوا إلى التخصيص بمكارمه، وفصل آية هؤلاءـ أي: الذين إذا فعلوا فاحشةـ بقوله: (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 136]؛ لأن المتدارك للتقصير كالعامل لتحصيل ما فوت على نفسه، وكم بين المحسن والمتدارك والمحبوب والأجير، ولعل تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النكتة.
وقلت: مآل كلام القاضي أن اختصاص ذكر الأجر لمقتضى المقام وإلا فلم خولف بين الجزاءين والمتقون أيضاً عاملون؟ ثم في قوله: (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) وجوه من المحسنات، أحدها: أنها كالتذييل للكلام السابق فيفيد مزيد تأكيد للاستلذاذ بذكر الوعد، وثانيها: في إقامة الأجر موضع ضمير الجزاء، وحذف ضمير الجزاء لأن الأصل: ونعم جزاؤهم هو إيجاب إنجاز هذا الوعد، وتصوير صورة العمل والعمالة تنشيطاً للعامل، وثالثها: في تعميم (الْعَامِلِينَ) وإقامته مقام الضمير الدلالة على حصول المطلوب للمذكورين بطريق برهاني.