ويجوز أن لا يكون ثمَّ قول، وأن يكون قوله: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) [آل عمران: 119]، أمراً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بطيب النفس، وقوة الرجاء، والاستبشار بوعد اللَّه أن يهلكوا غيظاً بإعزاز الإسلام، وإذلالهم به، كأنه قيل: حدث نفسك بذلك.
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) 120]
الحسنة: الرخاء، والخصب، والنصرة، والغنيمة، ونحوها من المنافع. والسيئة: ما كان ضدّ ذلك. وهذا بيان لفرط معاداتهم؛ حيث يحسدونهم على ما نالهم من الخير، ويشمتون بهم فيما أصابهم من الشدّة. فإن قلت: كيف وصفت الحسنة بالمس والسيئة بالإصابة؟ قلت: المس مستعار لمعنى الإصابة؛ فكان المعنى واحداً، .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ويجوز أن لا يكون ثم قول): أي: لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مأموراً بتبليغ هذا الأمر إليهم، بل يكون مأموراً بتطييب النفس بالاستبشار بوعد الله بالنصرة على سبيل الكناية، وهذا أبلغ مما إذا قيل ابتداء: حدث نفسك بطيب النفس وإرغام الأعداء؛ لأن هذا القول إنما يقال إذا حصل موجبه من النصرة وإعزاز الدين وإذلال الكفرة، ونحوه قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [البقرة: 131] حيث قال: "ومعنى قال له: أسلم: أخطر بباله النظر في الدلائل المؤدية على المعرفة والإسلام، فقال: (أَسْلَمْتُ) أي: فنظر وعرف".
قوله: (كيف وصفت الحسنة بالمس؟ ) هذا سؤال وارد على فقدان المطابقة بين القرينتين ظاهراً، يعني: من حق التقابل بين الفقرتين التوافق بين الكلمتين، فكيف خولف بينهما؟ وأجاب: أن الموافقة حاصلة من حيث المؤدى وأصل المعنى، بشهادة الآيات، ونقل في "الحواشي" عن المصنف أنه قال: وإنما جمع المس والإصابة لافتنان الكلام؛ لأنه أفصح وأحسن،