(قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ): دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به. والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم؛ من قوّة الإسلام، وعز أهله وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ): فهو يعلم ما في صدور المنافقين من الحنق والبغضاء، وما يكون منهم في حال خلوّ بعضهم ببعض، وهو كلام داخل في جملة المقول أو خارج منها. فإن قلت: فكيف معناه على الوجهين؟ قلت: إذا كان داخلا في جملة المقول فمعناه: أخبرهم بما يسرونه من عضهم الأنامل غيظا إذا خلوا، وقل لهم: إنّ اللَّه عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم؛ وهو مضمرات الصدور، فلا تظنوا أنّ شيئا من أسراركم يخفى عليه. وإذا كان خارجا فمعناه: قل لهم ذلك ـيا محمدـ ولا تتعجب من إطلاعى إياك على ما يسرون فإني أعلم ما هو أخفى من ذلك؛ وهو ما أضمروه في صدورهم ولم يظهروه بألسنتهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (من الحنق والبغضاء وما يكون منهم): بيان لما في الصدور، وذلك أن "ذات": عام، وإنما يتخصص بحسب ما أضيف إليها لاقتضاء المقام، وها هنا لما انطوت صدور المنافقين على الحنق والبغضاء خصصها بهما.
قوله: (قل لهم ذلكـ يا محمدـ ولا تتعجب)، فإن قلت: كيف فسر في الوجه الأول: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) بقوله: "أخبرهم"، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) بقوله: "وقل لهم"، وفي هذا الوجه أتى بـ "قل" في موضعه؟ قلت: لأن الكلام على الأول وارد على توبيخ المنافقين، وأنه صلوات الله عليه مأمور بأن يواجههم ويكافحهم بقوله: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ليعلموا أن الله تعالى أطلع نبيه صلوات الله عليه على ما كانوا عليه من أنهم إذا خلوا أظهروا الغيظ الكامن، ويخبرهم أيضاً بأن الله تعالى عليم بما هو أخفى مما يسرونه بينهم، فيجازيهم عليه مزيداً للتوبيخ وترقياً من الأدنى إلى الأغلظ، وعلى الثاني: الكلام جار على تعجيب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: إني مطلعك على خبثهم وسوء دخيلتهم، فقل لهم: موتوا بغيظكم، ولا تتعجب من هذا فإني أعلم ما هو أخفى منه.