ألا ترى إلى قوله: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ) [التوبة: 50]، (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء: 79]، (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج: 20 - 21]. (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على عداوتهم (وَتَتَّقُوا) ما نهيتم عنه من موالاتهم، أو: وإن تصبروا على تكاليف الدين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا على تقدير سؤال آخر، يعني: هب أن التوافق حاصل بين القرينتين في أصل المعنى، فما فائدة الاختلاف بينه وبين الآيات المستشهدة؟ وأجاب: أن الاختلاف للافتنان في الكلام والنقل من أسلوب إلى أسلوب، ولو قال: لاقتضاء المقام والتنبيه على الخطأ العظيم للمخاطبين كما سبق في قوله: (هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) فإنه يقتضي عنفاً شديداً وتعييراً بليغاً، ولذلك استعير لجانب الحسنة المس، وذكر في السيئة الإصابة ليدل على الإفراط الشديد والتفريط البليغ، وليس كذلك في سائر الآيات، لكان أحسن، وإلى هذا المعنى أشار صاحب "الانتصاف" حيث قال: يمكن أن يقال: المس أقل تمكناً من الإصابة، وهو أقل درجاتها، أي: إن تصبك حسنة أدنى إصابة تسؤهم ويحسدوكم، وإن تتمكن منكم المصيبة وتنتهي الحد الذي يرثي عندها الشامت فهؤلاء لا يرثون ولا يرجعون عن حسدهم، بل يفرحون ويسرون.

الإنصاف: هذا حسن لكن يحتاج الجواب عن الآية التي استشهد بها الزمخشري (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) [النساء: 79]، وهو ذكر جواباً عاماً.

وقلت: الجواب ما ذكرناه من أن التخصيص بحسب المقام وإخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر، والذي ينصر قول صاحب "الانتصاف" مجيء الفرح بمعنى البطر مقابلاً للسوء، قال الجوهري: الفرح أيضاً: البطر، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص: 76].

قوله: (أو: وإن تصبروا على تكاليف الدين) وذلك أن الصبر على مكابدة أعداء الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015