أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود؛ لكونهما من هيئات الصلاة وأركانها، ثم قيل لها: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) بمعنى: ولتكن صلاتك مع المصلين، أي: في الجماعة أو انظمي نفسك في جملة المصلين وكوني معهم في عدادهم ولا تكوني في عداد غيرهم. ويحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم ويسجد في صلاته ولا يركع وفيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الراكعين ولا تكون مع من لا يركع.

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (44]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ثم قيل لها: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)) يعني ذكر القنوت والسجود أولاً، والقنوت: أن يذكر الله قائماً، أو يركد في الصلاة، وأريد بهما الصلاة، فإنهم يطلقون معظم الشيء على الكل إيهاماً لكماله فيه، ثم أتى ببعض آخر وهو الركوع، وأريد به تلك الحقيقة أيضاً على تلك الطريقة، وقيده بفائدة زائدة ليؤذن أن كماله إذا كان مقيداً بها فهو من التكرار المعنوي لإناطة معنى زائد كما مر، ولما كان الأمر للصلاة أمراً للمصلي بصفتها، وهي أن يكون مع الجماعة لا نفسها، قال: ولتكن صلاتك مع المصلين، على أسلوب: لا أرينك ها هنا.

قوله: (أو انظمي نفسك في جملة المصلين) معناه: اتصفي بصفة المصلين وكوني من زمرتهم وعدادهم، كقوله تعالى: (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) [الفجر: 29] أي: في جملة عبادي الصالحين، وانتظمي في سلكهم، وأما معنى الاختصاص في قوله: "ولا تكوني في عداد غيرهم"، فإنما يفيده معنى الكناية، لأن الأسلوب من قبيل قوله: فلان في عداد العلماء، أي: له مساهمة معهم في العلم، وأن الوصف كاللقب المشهود له.

قال القاضي: قال: (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) للإيذان بأن من ليس في صلاته ركوع ليس من المصلين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015