واختصك بالكرامة السنية (وَطَهَّرَكِ) مما يستقذر من الأفعال ومما قرفك به اليهود (وَاصْطَفاكِ) آخرا (عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ)؛ بأن وهب لك عيسى من غير أب، ولم يكن ذلك لأحد من النساء .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال القاضي: هو دليل على جواز الكرامة للأولياء، وجعل ذلك معجزة لزكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه.
قوله: (واختصك بالكرامة السنية) وهي أن خصها من عنده بالرزق، لأن المراد بقوله ها هنا: "تقبلك من أمك" قوله هناك: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا)، وبقوله: "رباك" قوله: (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)، بقي قوله: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ) فيحمل قوله: "واختصك بالكرامة السنية" عليه ضرورة. ما ألطف هذه الإشارة! وذلك أن اللام في قول زكريا: (أَنَّى لَكِ هَذَا) للاختصاص، وكان يكفيه أن يقول: أنى هذا؟ ثم جوابها: (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) دليل على أن هذه الكرامة مختصة بها؛ لأن لفظ (عِنْدِ اللَّهِ) كناية عن الكرامة، نحو قوله تعالى: (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر: 55]، (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) [فصلت: 38] إلى غير ذلك كما علم من كتابه، ثم بناؤه على الضمير مفيد للتقوي أو الاختصاص، نحو: هو عرف، وتخصيص اسم الذات مشعر بتعظيم الموهبة وأنها من الكرامة السنية، كما قال: "بالكرامة السنية"، كأنها قالت: اختصت هذه الكرامة السنية بي لا بغيري وأنها من الله لا من غيره، انظر هذه الكرامة السنية لأولياء الله، حيث أنكر أولاً أنه لا كرامة لها، ثم أقر بالاختصاص، ونص أنها كرامة، ووصفها بالسنية، أبى الله إلا إظهار الحق!
قوله: (قرفك)، الجوهري: قرفت الرجل، أي: عبته، يقال: هو يقرف بكذا، أي: يرمى به ويتهم.