(ذلِكَ) إشارة إلى ما سبق من نبإ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام، يعنى أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي. فإن قلت: لم نفيت المشاهدة، وانتفاؤها معلوم بغير شبهة، وترك نفى استماع الأنباء من حفاظها وهو موهوم؟ قلت: كان معلوما عندهم علمًا يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي، فلم يبق إلا المشاهدة وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة، فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة. ونحوه (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ)، [القصص: 44] (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ)، [القصص: 46] (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) [يوسف: 102]

(أَقْلامَهُمْ): أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لم نفيت المشاهدة؟ ) تحرير السؤال أن مقتضى الظاهر أن يقال: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ) وما سمعت هذا النبأ من أحد ولا قرأته في كتاب، لأن هذا متوهم منه، فاحتيج إلى رفع التوهم لا المشاهدة، فإنها منتفية لاشك في انتفائها، فلا يحتاج إليه، فلم نفيت المشاهدة وترك ذلك؟

وخلاصة الجواب: أن المراد من نفي المشاهدة: إثبات الحجة والاحتجاج على أهل الكتاب بطريق التقسيم الحاصر، ولاشك أن عدم السماع والقراءة محقق عند اليهود، وقد علموا ذلك علماً يقينياً لاشك فيه، وإنما كانوا ينكرون الوحي فأردي إثبات المطلوب بطريق برهاني، فقيل: طريق العلم فيما أنبئكم به، إما السماع والقراءة، وإما الوحي والإلهام، وإما الحضور والمشاهدة، فالأولان منفيان عندكم، بقي الثالث، فنفى تهكماً بهم، وإنما خص هذه دون الأولى للتهكم لأنه لو نفى الأولى لم يكن من التهكم في شيء، لمجال الوهم فيه دونه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015