وأحسن الجواب وأوقعه ما كان مشتقا من السؤال. ومنتزعا منه (إِلَّا رَمْزاً) إلا إشارة بيد أو رأس أو غيرهما، وأصله التحرّك. يقال: ارتمز: إذا تحرّك. ومنه قيل للبحر: الراموز. وقرأ يحيى بن وثاب: (إلا رمزاً) بضمتين، جمع رموز كرسول ورسل. وقرئ (رمزاً) بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم، وهو حال منه ومن الناس دفعة كقوله:
مَتَى مَا تَلْقَنِى فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (مشتقاً من السؤال ومنتزعاً منه)، لم يرد بالاشتقاق الاشتقاق الاصطلاحي، لأن قوله: "ومنتزعاً منه" تفسير له، يريد أن الجواب بعد انطباق معناه على معنى السؤال ينبغي أن يراعى فيه حسن المناسبة بين الألفاظ، قيل لأبي تمام: لم تقول ما لا يفهم؟ فقال: لم لا تفهم ما يقال؟ قال: كأنه عليه السلام لما سأل بقوله: (اجْعَل لِي آيَةً) أي: علامة لأتلقى هذه النعمة بشكرك، أجيب بأن آيتك أن لا تقدر على شيء من الكلام إلا على شكري.
فإن قلت: ليس في سؤاله عليه السلام (رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً) ما يشعر به أنه طلب الآية من أجل الشكر؟ قلت: يقدر ذلك لما في الجواب من قوله: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ) دلالة عليه، كأن نبي الله لما بشر بيحيى مصدقاً طلب آية عليه مزيداً على النص طمأنينة ليتفرغ لأداء شكر تلك النعمة.
قوله: (متى ما تلقني) البيت، ترجف، أي: تضطرب بشدة، ترجف: جزم جواباً للشرط، روانف: جمع رانفة، وهي: أسفل الألية، والمراد بالجمع التثنية، وهما رانفتا المخاطب،