(مِنْ عِلْمِهِ): من معلوماته. (إِلَّا بِما شاءَ): إلا بما علم. الكرسي: ما يجلس عليه، ولا يفضل عن مقعد القاعد. وفي قوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أربعة أوجه؛ أحدها: أنّ كرسيه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط، ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محيطاً بأحوال المشفوع له، فقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) عبارة عن إثبات العلم مع الإحاطة من جميع الجوانب مفهوماً، فإن هذا التكرير كتكرير قوله تعالى: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) [مريم: 62]، فنفى عن الغير منطوقاً بعد ذلك بقوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ). قال القاضي: (وَلا يُحِيطُونَ): عطف على ما قبله، والمجموع يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته.
قوله: ((مِنْ عِلْمِهِ)، أي: من معلوماته)، الراغب: (مِنْ عِلْمِهِ) على وجهين، أحدهما: مما يعلمه فيكون العلم مضافاً إلى الفاعل، والثاني أن يعلمه الخلق، فيكون مضافاً إلى المفعول به لينبه على أن معرفته على الحقيقة متعذرة، بل لا سبيل إليها، وإنما غايتها أن يعرف الموجودات ثم يتحقق أنه ليس إياها ولا شيئاً منها ولا شبيهاً بها، بل هو سبب وجود جميعها وأنه يصح ارتفاع كل ما عداه مع بقائه، وبهذا النظر قال أبو بكر رضي الله عنه: سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته، وقال بعض الأولياء: غاية معرفة الله أن تعلم أنه يعرفك لا أنك تعرفه، ولهذا قيل: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) [الحديد: 3].
قوله: 0 إن كرسيه لم يضق عن السماوات) إلخ، فإن قلت: أثبت أولاً الكرسي وأنه لم يضق عن السماوات ثم نفاه ثانياً بقوله: "لا كرسي ثمة"، هل هذا إلا تناقض؟ قلت: إثبات الكرسي أولاً بحسب مؤدى اللغة وتفسير اللفظ من غير النظر إلى استقامة إطلاقه على صفات الله تعالى، وأما نفيه فبالنظر إلى نسبته إلى الله، وأنه يجب حمله على العظمة والكبرياء على سبيل الكناية وأخذ الزبدة من مجموع الكلام.