فإن قلت: فلمَ خصّ موسى وعيسى من بين الأنبياء بالذكر؟ قلت: لما أوتيا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة، ولقد بين اللَّه وجه التفضيل؛ حيث جعل التكليم من الفضل، وهو آية من الآيات، فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات خُصا بالذكر في باب التفضيل، وهذا دليل بين أنّ من زيد تفضيلاً بالآيات منهم فقد فضل على غيره، ولما كان نبينا صلى اللَّه عليه وسلم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها؛ كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع. اللهمّ ارزقنا شفاعته يوم الدين (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ) مشيئة إلجاء وقسر، (مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ) من بعد الرسل؛ لاختلافهم في الدين وتشعب مذاهبهم، وتكفير بعضهم بعضاً، (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) لالتزامه دين الأنبياء، (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) لإعراضه عنه، (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) كرّره للتأكيد، (وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من الخذلان والعصمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لما أوتيا من الآيات العظيمة)، قال صاحب "الفرائد": الأولى فيما أرى والله أعلم، أن يقالك خصا بالذكر لأن الكلام فيما مر مع أهل الكتاب، واليهود ينكرون عيسى، والنصارى ينكرون موسى، وقال الإمام: إنما خصا بالذكر لأن أمتهما موجودون وأمم سائر الأنبياء ليسوا كذلك، وقال القاضي: خص عيسى بالذكر لإفراط اليهود والنصارى في تحقيره وتعظيمه، والوجه ما ذكره المصنف، أن ذكرهما لبيان وجه التفضيل، يعني: أن فضل رسول على رسول مثله إنما يظهر بسبب اختصاصه بما أوتي من الفضل والكرامة ورفعة الدرجة، وبحسب هدايته وإرشاده وكثرة متبعيه، ولاشك في أن أولئك الثلاث هم المخصوصون من بين سائر الأنبياء بذلك، وأن لنبينا قصبات السبق عليهم، ومن ثم اكتفى بهم عنهم، وبهذا يتبين المقصود، وهو فضل نبينا على سائر الأنبياء. وعلى ما ذكروه يفوت المراد ويخرم النظم.

قوله: ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا) كرره للتأكيد). أصل الكلام: نحن فضلنا بعض النبيين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015