وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى؛ لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس. ويقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول: أحدكم، أو: بعضكم، يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به وأنوه بصاحبه. وسئل الحطيئة عن أشعر الناس. فذكر زهيراً والنابغة ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث، أراد نفسه، ولو قال. ولو شئت لذكرت نفسي، لم يفخم أمره. ويجوز أن يريد: إبراهيم ومحمداً وغيرهما من أولي العزم من الرسل صلوات الله عليهم. وعن ابن عباس رضى اللَّه عنه: كنا في المسجد نتذاكر فضل الأنبياء، فذكرنا نوحاً بطول عبادته، وإبراهيم بخُلته، وموسى بتكليم اللَّه إياه، وعيسى برفعه إلى السماء، وقلنا: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل منهم، بعث إلى الناس كافة، وغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وهو خاتم الأنبياء. فدخل عليه السلام فقال: "فيم أنتم؟ " فذكرنا له، فقال: "لا ينبغي لأحد أن يكون خيراً من يحيى بن زكريا"، فذكر أنه لم يعمل سيئة قط ولم يهمَّ بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

للتبعيض فاستغنى به، و"ضم حبل الحاطب" معناه: أن الحاطب يجمع في حبله الجيد والرديء واليابس والرطب على تدان بينهما.

قوله: (ولو شئت لذكرت الثالث)، مثله ما روينا في "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، عن علي رضي الله عنه، قال: خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر وعمر، ولو شئت لحدثتكم بالثالث. والأسلوب من باب التعريض على سبيل التفخيم. قوله: "وعن ابن عباس: كنا في المسجد نتذاكر .. "، الحديث رواه الترمذي والدارمي أبسط وأبلغ مما ذكره المصنف، لكن ليس فيه ذكر يحيى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015