ومعناه: الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع، والدليل عليه قوله: (فَشَرِبُوا مِنْهُ) أي: فكرعوا فيه (إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين هادوا والنصارى فلا خوف عليهم، والصابئون كذلك، قدم و"الصابئون" للعناية تنبيهاً به على أن الصابئين يتاب عليهم أيضاً وإن كان كفرهم أغلظ، هكذا ها هنا، المطلوب: أن لا يذاق من الماء رأساً، والاغتراف بالغرفة رخصة، فقدم (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) للعناية؛ لأنه عزيمة، وهو المطلوب أولياً.
قوله: (دون الكروع)، النهاية: كرع في الماء يكرع: إذا تناوله بفيه من غير أن يشرب بكف ولا بإناء كما تشرب البهائم؛ لأنها تدخل فيه أكارعها، والمصنف إنما عدل من الشرب إلى الكروع ليؤذن أنهم بالغوا في مخالفة المأمور، يعني: لم يغترفوا بل كرعوا، أي: أفرطوا في الشرب كالبهائم. الراغب: في القصة إيماء ومثال للدنيا وأبنائها وأن من يتناول قدر ما يتبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا، ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشاً، وعليه قيل: الدنيا كالماء المالح: من ازداد منها شرباً ازداد عطشاً، وإلى هذا أشير في الخبر المروي أن الله عز وجل إذا سأله عبد شيئاً من عروض الدنيا أعطاه وقال له: خذه حرصاً، وإياه عنى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لو أن لابن آدم واديين من ذهب لابتغى غليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب".
قوله: (والدليل عليه) أي: على الاستثناء من قوله: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) لا من قوله: (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ)؛ لأنه لو كان منه لقيل: فطعموه، وفيه أن من ذهب إليه تعسف، قال أبو البقاء: (إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) استثناء من الجنس وموضعه نصب، وأنت بالخيار؛ إن شئت جعلته استثناء من "مِن" الأولى، وإن شئت من "مِن" الثانية.