وَإنْ شِئْتَ لَمْ أَطْعَمْ نَقَاخًا وَلَا بَرْدَا
ألا ترى كيف عطف عليه البرد وهو النوم! ويقال: ما ذقت غماضاً ونحوه من الابتلاء ما ابتلي اللَّه به أهل أيلة من ترك الصيد مع إتيان الحيتان شرَّعاً، بل هو أشد منه وأصعب، وإنما عرف ذلك طالوت بإخبار من النبي، وإن كان نبياً - كما يروى عن بعضهم - فبالوحي. وقرئ: (بنهر) بالسكون. فإن قلت: ممَّ استثنى قوله: (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ)؟ قلت: من قوله: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي)، والجملة الثانية في حكم المتأخرة، إلا أنها قدّمت للعناية كما قدم (وَالصَّابِئُونَ) في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ) [المائدة: 69]،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وإن شئت لم أطعم)، صدره:
وإن شئت حرمت النساء سواكم
النقاخ: الماء العذب الذي ينقخ الفؤاد ببرده، أي: يكسر العطش، ولو لم يكن الطعم في البيت بمعنى الذوق لما جاز العطف، لصيرورة المعنى: لم آكل النوم، وأما إن كان بمعنى الذوق فجاز لما ذكر من أنه يقال: "ما ذقت غماضاً"، قال في مخاطبة: النساء سواكم، إرادة لتعظيمهن كما يجاء بالجمع لواحد المذكر.
قوله: (بل هو أشد منه وأصعب) أي: الابتلاء بالنهر أشد من ابتلاء أهل أيلة لما حصل لهم من مشقة السفر مع بعد المفازة والوقت قيظ، بخلاف أهل أيلة لقلة احتياجهم إلى الحيتان مع أنهم حاضرون ولهم أطعمة سواها.
قوله: (والجملة الثانية في حكم المتأخرة)، إذ التقدير: "فمن شرب منه فليس مني إلا من اغترف غرفة بيده ومن لم يطعمه فهو مني"، كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) إلى قوله: (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [المائدة: 69]، والتقدير: إن الذين آمنوا