قلت: أراد: لما ضاع فيها من عدّة نسائك لشهرة القروء عندهم في الاعتداد بهن، أي: من مدّةٍ طويلةٍ كالمدة التي تعتد فيها النساء؛ استطال مدة غيبته عن أهله كل عام؛ ....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي: لوقت هبوبها وشدة بردها، لكن لابد من التخصيص ها هنا بالأطهار؛ لأن الشاعر يخاطب غازياً لا يبرح في تقحم الأهوال وتجشم الأفزاع والشدائد، يطلب المال والجاه ويترك مغازلة النساء ومعاشرتهن والتلذذ بغشيانهن، وذلك لا يستقيم في سائر الأوقات، فيلزم تخصيص الأوقات بزمان الطهر، وأنشد في مبدأ المعنى، وقيل: إنه لجاهلي:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
قوله: (لما ضاع فيها) أوله في "معالم التنزيل":
أفي كل عام أنت جاشم غزوة ... تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مؤثلة مالاً، وفي الحي رفعة ... لما ضاع فيها من قروء نسائكا
ويروى: مورثة، جشمت الأمر أجشمه جشماً، وتجشمته: إذا تكلفته، يقال: عزمت على كذا عزماً وعزيمة وعزيماً: إذا أردت فعله، والعزاء: الصبر، يقال: عزيته تعزية فتعزى. هو يقول: أتكلف نفسك كل عام غزوة تشد لأبعدها وأشقها عزيمة الصبر لتكثر المال وتزيد الرفعة في الحي لما يضيع في تلك الغزوة من أطهار نسائك، واللام في "لما" كما في قوله تعالى: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) [القصص: 8].
فإن قلت: الهمزة في البيت للإنكار، ثم تصريح الخطاب "بأنت" والمواجهة بقوله: "نسائكا" بعيد عن مقام المدح؟ قلت: بل الشاعر ما اكتفى من المبالغات بما ذكرت، بل قدم الظرف والفاعل المعنوي على عاملهما ليدل على تخصيص عموم الأحوال، وقصره على المخاطب، ثم بالغ في الغزوة حيث أتبعها بقوله: "لأقصاها" تتميماً لها، واستعار حرف الترتب،