فإن قلت: كيف طابق الجواب السؤال في قوله: (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ) وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون وأجيبوا ببيان المصرف؟ قلت: قد تضمن قوله: (قُلْ مَا أَنَفْقتُم مِنْ خَيْرٍ) بيان ما ينفقونه؛ وهو كل خير، وبني الكلام على ما هو أهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثانيهما: سرت حتى أدخلها، وقد مضى السير والدخول، نحو قولك: سرت فأدخلها، أي: فدخلتها، وحتى لم تعمل في الفعل، وعلى هذا وجه الآية.
وقلت: وهذا الذي عناه المصنف بقوله: "على أنه في معنى الحال لكن على أنها حكاية حال ماضية"، وفائدته: تصوير تلك الحالة العجيبة الشأن، واستحضار صورتها في مشاهدة السامع ليتعجب منها، وعليه قوله: "حتى يجيء البعير يجر بطنه".
قوله: (وهو كل خير)، الراغب: (مِنْ خَيْرٍ) أي: من مال، سمي المال خيراً تنبيهاً على أن الذي يجوز إنفاقه هو المال الذي تناوله اسم الخير، كما قال: (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) [البقرة: 180].
قوله: (وبني الكلام على ما هو أهم). قال صاحب "المفتاح": سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف، نزل سؤال السائل منزلة سؤال غير سؤاله، لتوخي التنبيه له بألطف وجه على تعديه عن موضع سؤال هو أليق بحاله أو أهم له إذا تأمل.
قلت: وأما ما عليه كلام المصنف فخلاف ذلك؛ لأن الجواب مطابق من حيث الإشارة، فإنه بظاهره مسوق لبيان المصرف ومدمج فيها معنى ما ينفق، وهو الخير، تقديره: قل: ما يعتد به من إنفاق الخير مكانه ومصرفه الأقربون، ومع هذا لا يخرج من باب الأسلوب الحكيم، وبهذا ظهر الفرق بينه وبين قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) [البقرة: 189]، وذلك أن معرفة بدو الأهلة وتزايدها وكمالها ومحاقها لما لم يكن من الأمور المعتبرة في الدين