وهو بيان المصرف؛ لأنّ النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها، قال
إنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ صَنِيعَةً ... حَتَّى يُصَابَ بهَا طَرِيقُ الْمصنَعِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يلتفت إليها رأساً بل ردها ضمناً، وأن إنفاق كرائم الأموال من الدين لكن اعتداده بحسب المصرف، وأنه المطلوب الأولى، جعله أصلاً والمسئول عنه تابعاً، وفيه إبطال علم النجوم وما لا جدوا له في الدين من علم الفضول.
الراغب: قيل: في مطابقة الجواب السؤال وجهان: أحدهما: أنهم سألوا عنهما وقالوا: ما ننفق وعلى من ننفق؟ لكن حذف في حكاية السؤال أحدهما إيجازاً، ودل عليه الجواب بقوله: (مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ)، كأنه قيل: المنفق هو الخير، والمنفق عليهم هؤلاء، فلف أحدهما في الآخر، وهذا طريق معروف في البلاغة.
والوجه الثاني: أن السؤال ضربان: سؤال جدل، وحقه أن يطابقه جوابه لا زائداً عليه ولا ناقصاً عنه، وسؤال تعلم، وحق المعلم أني صير فيه كطبيب رفيق يتحرى شفاء سقيم، فيطلب ما يشفيه، طلبه المريض أو لم يطلبه، فلما كان حاجتهم إلى من ينفق عليهم كحاجتهم إلى ما ينفق بين لهم الأمران.
وقلت: مثاله: من غلب عليه مرة السوداء إذا طلب من الطبيب تناول الجبن فيقول: عليك بمائه، كما أجيب عن قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ) بقوله: (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ)، وإذا طلب من غلب عليه مرة الصفراء العسل فيقول: مع الخل، وعليه الآية التي نحن بصددها.
قوله: (إن الصنيعة) البيت، بعده:
وإذا صنعت صنيعة فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أو دع
وهو يوضح البيت الأول.