و"لَمَّا" فيها معنى التوقع، وهي في النفي نظيرة «قد» في الإثبات، والمعنى: أن إتيان ذلك متوقع منتظر. (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا) حالهم التي هي مثل في الشدّة. و (مَسَّتْهُمُ) بيان للمثل، وهو استئناف؛ كأن قائلاً قال:
كيف كان ذلك المثل؟ فقيل: مستهم البأساء، (وَزُلْزِلُوا): وأزعجوا إزعاجاً شديداً شبيهاً بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع؛ (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها: (مَتى نَصْرُ اللَّهِ)، أي: بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك، ومعناه: طلب الصبر وتمنيه، واستطالة زمان الشهدة. وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضع: كان من حق المؤمنين التشجع والتصبر على مكابدة المشاق من المخالفين وأعداء الدين تأسياً بمن قبلهم لجامع الإيمان، كما صرح به الحديث النبوي، وهو المضرب عنه "ببل" التي تضمنها (أَمْ)، أي: دع ذلك، أحسبوا أن يدخلوا الجنة ولما يأتهم مثل الذين خلوا من قبلهم، كقوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2]، فترك ذلك إلى الخطاب مريداً للإنكار والاستبعاد.
قوله: (و"لما" فيها معنى التوقع)، قال في "الإقليد": إنماتضمن معنى التوقع لأنها جعلت نقيضة قد، وفي "قد" معنى التوقع، تقول: قد ركب الأمير، لقوم ينتظرون ركوبه ويتوقعون، وكذلك لما يركب، ومعنى التوقع: طلب وقوع الفعل مع تكلف واضطراب، ولذلك قيل: الانتظار موت أحمر، وقولك: "لما يركب" معناه: ما وجد بعد وقوع ما كنت تتوقعه أي: في الحال.
قوله: (ومعناه: طلب النصر وتمنيه)، فإن المتمني يطلب ما لا يرجى حصوله، يعني: ليت الله ينصرنا وهو دليل على تناهي الأمر في الشدة، قال أبو البقاء: موضع (مَتَى): رفع؛ لأنه خبر المصدر، وعند الأخفش: ظرف، و (نَصْرُ): مرفوع به.