بعد مجيء البينات؛ تشجيعاً لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين وأهل الكتاب، وإنكارهم لآياته وعداوتهم له - قال لهم على طريقة الالتفات التي هي أبلغ: (أم حسبتم) ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك عن دينه"، قال القاضي: وفيه إشارة على أن الوصول إلى الله والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ومكابدة الشدائد والرياضات، وأنشد:
دببت للمجد والساعون قد بلغوا ... جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله ... لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
قوله: (على طريقة الالتفات التي هي أبلغ) فإن قلت: أين الالتفات ها هنا، فإن الالتفات هو: الانتقال من إحدى الصيغ الثلاث إلى الأخرى لمفهوم واحد، وهذا المعنى ها هنا مفقود؟ قلت: قوله: "ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف"، معناه: أن قوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ) الآية، كان كلاماً مشتملاً بظاهره على ذكر اختلاف الأمم السالفة والقرون الخالية، وعلى ذكر من بعث إليهم من الأنبياء، وما لقوا منهم من الشدائد بعد إظهار المعجزات، ومدمجاً لتشجيع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر مع المشركين، قال الله تعالى: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ) [هود: 120]، فمن هذا الوجه كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مرادين في هذا الكلام غائبين، يؤيده قوله: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)، فإذا قيل لهم بعد ذلك: (أَمْ حَسِبْتُمْ) كان نقلاً من الغيبة إلى الخطاب، والكلام الأول تعريض للمؤمنين بعدم التثبت والتصبر لأذى المشركين، فكأنه وضع ذلك