فتنه التكفير (صفحة 6)

والكتاب والسنة لا يمكن فهمهما - وكذلك ما تفرع عنهما - ألا بطريق معرفة اللغة العربية وآدابها معرفة دقيقة

فإن كان لدى طالب العلم نقص في معرفة اللغة العربية فإن مما يساعده في استدراك ذلك النقص الرجوع إلى فهم من قبله من الأئمة والعلماء وبخاصة أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية

ولنرجع إلى الآية:} ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون {فما المراد بالكفر فيها؟ هل هو الخروج عن الملة؟ أو أنه غير ذلك؟

فأقول: لا بد من الدقة في فهم هذه الآية فإنها قد تعني الكفر العملي وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام

ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنههما الذي أجمع المسلمون جميعا - إلا من كان من تلك الفرق الضالة - على أنه إمام فريد في التفسير

فكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماما من أن هناك أناسا يفهمون هذه الآية فهما سطحيا من غير تفصيل فقال رضي الله عنههـ: " ليس الكفر الذي تذهبون إليه وإنه ليس كفرا ينقل عن الملة وهو كفر دون كفر "

ولعله يعني بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنههـ ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين: فقال: ليس الأمر كما قالوا أو كما ظنوا وإنما هو كفر دون كفر

هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية هو الحكم الذي لا يمكن أن يفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها قبل

ثم إن كلمة (الكفر) ذكرت في كثير من النصوص القرآنية والحديثية ولا يمكن أن تحمل - فيها جميعا - على أنها تساوي الخروج من الملة

من ذلك مثلا الحديث المعروف في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:] سباب المسلم فسوق وقتاله كفر [. فالكفر هنا هو المعصية التي هي الخروج عن الطاعة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو أفصح الناس بيانا - بالغ في الزجر قائلا:] . . . وقتاله كفر [

ومن ناحية أخرى هل يمكن لنا أن نفسر الفقرة الأولى من هذا الحديث -] سباب المسلم فسوق [- على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث ضمن الآية السابقة:} ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون {؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015