الأمر معلوم، "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" "اقرأ" يعني: بعد التكبير، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الاستفتاح، إما رفقًا بحال هذا الرجل لئلا تكثر عليه الطلبات فيضيع بعضها بعضًا؛ وإما لأنه- أي: الاستفتاح- غير واجب، ولاشك أن الاستفتاح غير واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".

"ما تيسر معك من القرآن" "معك" بمعنى: عندك، والتيسر ضد التعسر بأن يكون الإنسان حافظًا فهذا الذي يريد أن يقرأه سهلًا عليه أن يقرأه من القرآن؛ أي: كلام الله عز وجل، وسمي قرآنًا، لأنه يقرأ ويتلى، أو لأنه مجموع مجتمع بعضه إلى بعض، ومنه القرية لأنها مجتمعة بعضها إلى بعض، فقرأ يقرأ قرآنًا يكون من هذا الباب، ولا مانع أن تقول: إنه مشتق من هذا من القراءة التي هي التلاوة، ومن القراءة التي هي جمع الشيء، قوله: "من القرآن" مصدر كالرجحان، والغفران، والشكران، يعني: أنه مصدر على وزن "فعلان" فهل هو بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول، إن كان بمعنى فاعل فالمعنى: أن كلام الله جامع لأحكام شرعية عقدية اجتماعية كل شيء، وتؤيده قوله {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيٍء} [النحل: 89]. أو هو بمعنى مفعول، أي: مقروء؛ لأن الناس يقرءونه؟ نقول: هو صالح لهذا وهذا، وليس بينهما منافاة، بل يكون بمعنى هذا وهذا، فهو قارئ أي: جامع للأحكام التي تحتاجها الأمة، وهو بمعنى مقروء فيكون بمعنى مقروء فيكون بمعنى اسم الفاعل، واسم المفعول.

"ثم اركع حتى تطمئن راكعًا" الركوع هو انحناء الظهر تعظيمًا لمن يركع له، وسيأتي- إن شاء الله- بيان الواجب منه، الركوع: حتى الظهر تعظيمًا لمن يركع له، "حتى تطمئن راكعًا" يعني: حتى تستقر، مأخوذ من الطمأنينة وهي الاستقرار.

"ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا" اللفظ: "حتى تعتدل"، وفيه رواية: "حتى تطمئن"، فيحمل هذا اللفظ "حتى تعتدل" على اللفظ الآخر، "حتى تطمئن" وتكون أفعال الصلاة كلها على حد سواء.

فإذا قال قائل: لماذا لا نأخذ بلفظ: "تعتدل" لأنه أيسر؟

قلنا: إذا أخذنا بلفظ: "تعتدل" أهملنا لفظ: "تطمئن"، وإذا أخذنا بلفظ "تطمئن" فقد أخذنا بهذا وهذا.

"ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا" السجود هو: الخرور من القيام إلى الأرض بحيث يضع الإنسان جبهته على الأرض إجلالًا لله عز وجل وقوله: "تطمئن ساجدًا" كما قلنا في "تطمئن راكعًا" ولا يخفى عليكم أن كلمة "ساجدًا" و" راكعًا" منصوبان على الحالية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015