الرجل وصلى كما صلى أولًا، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع للمرة الثانية وصلى كالأول، ثم جاء فسلم فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ثلاث مرات، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، سبحان الله! صحابي لا يعرف كيف يصلي، ويقول هذا الأسلوب العجيب، قال: والذي بعثك بالحق ولم يقل: والله يا رسول الله، قال: والذي بعثك بالحق إشارة إلى أنه سيلتزم بما قال الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه مبعوث بالحق، وإذا كان قد أقر بأنه مبعوث بالحق فإنه يلزم أن يعمل بما قال، "والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا" ولم يسكت رضي الله عنه، بل طلب العلم: "فعلمني"؛ فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" أي: إذا أردت القيام، واعلم أنه يعبر بالفعل عن إرادته إذا كانت الإرادة جازمة قريبة من الفعل، فإذا كانت الإرادة جازمة قريبة من الفعل بهذين القيدين أطلق الفعل على الإرادة، ومنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" إذا دخل يعني: أراد الدخول، هنا: "إذا قمت إلى الصلاة" يعني: إذا أردت القيام جازمًا قريبًا "فأسبغ الوضوء" أسبغ بمعنى: أكمل، كما في قول الله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه، ظاهرًة وباطنًة} [لقمان: 20]. أي: أكملها، "أسبغ الوضوء"، "الوضوء" يقال: بفتح الواو وبضم الواو، فإن قيل بضم الواو فالمراد به: الفعل، يعني: حركات المتوضئ، وإن قيل بالفتح فالمراد به: الماء الذي يتوضأ به، وكذلك نظائره كالطهور والطهور، والسحور والسحور، وحينئٍذ "ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء" بضم الواو، "تسحروا فإن في السحور بركة". هل بالفتح أو بالضم؟ هذا يحتمل أن المعنى: فإن في فعلكم بركة، ويحتمل أن المعنى: أن في الطعام الذي تأكلونه في آخر الليل بركة، وكلاهما صحيح، إذن فإن في السحور بركة، يجوز أن تقرأه: في السحور، أو في السحور.
"فأسبغ الوضوء" أي: للفعل، "ثم استقبل القبلة فكبر" لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من الشروط سوى الوضوء واستقبال القبلة، فإما أن يكون الرجل، لم يخل بشئ؛ لأنه مشاهد فهو مستور عورته ورجل يميز يعني بقية الشروط معروفة.
فيبقى علينا إذا كنت تعلل بعدم ذكر الشروط بأنه يرى لو أخل بها فلماذا ذكر الوضوء؟
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال هذا الرجل الذي لا يحسن أن يصلي أن فيه احتمالًا كبيرًا أنه لا يحسن الوضوء، وهذا واضح، "ثم استقبل القبلة فكبر" أي: قل: الله أكبر، وهذه تكبيرة الإحرام، وسميت بذلك لأن الإنسان إذا كبر دخل في حريم الصلاة كما أنه إذا لبى دخل في حريم النسك، "ثم استقبل القبلة فكبر" أي قل: الله أكبر هذا التكبير، ولم يقل: كبر الله، لأن