الأمر سواء الولى في الدولة أو من دونه، أن يبين له الأمر على ما كان عليه، قد يقول: إذا بينت له الأمر على ما كان عليه ضاق صدره، ونحن لا نحب أن نضيق صدره، نريد أن يبقى مسرورا منشرح الصدر، نقول: نعم، هو يضيق صدره الآن لكن يسعى للحلول كيف يتخلص من هذا؟ إما أن يبدي له الأمور على أنها أكمل شيء وهي بالعكس فسيبقى الشر والفساد على ما كان عليه فلابد من أن يبين لولاة الأمور الأمر على ما كان عليه.
كذلك الأمر في المدارس سأله المدير قال ما تقول في أجوبة الطلبة؟ قال: ما شاء الله ما بين ممتاز وجيد جدا، وأجوبتهم في الحقيقة أعلاهم من أتى بلقب مقبول، لكن يريد أن يدخل السرور على المدير، نقول: هذا حرام عليك، الواجب أن تخبره بالواقع، وإذا كان أعلاهم من أتى بلقب مقبول فماذا يكون أدناهم؟ ! فيجب أن تبلغ حتى تحل المشكلة.
1357 - وعن جابر رضي الله عنه: «أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت عندي، وأقاما بينة، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هي في يده».
قوله: "أن رجلين" لم يبنيا هذان الرجلان، ولا يهمنا أن يبين صاحب القصة أو لا يبين إذا لم يكن في تبيينه ضرورة، وعلى هذا فلا يعد هذا من الجهل المذموم؛ لأن الذي يهمنا هو القصة، وقوله: "اختصما في ناقة فقال كل واحد منهما نتجت"، يقال: إن نتج يكون دائما مبنيا للجهول، وقد ألف في هذا رسائل مثل: "إتحاف الفاضل في الفعل المبني لغير الفاعل"، وهو كتيب صغير لكنه جيد في موضوعه، يذكر كل فعل في اللغة العربية لا يبنى للفاعل، وإنما يبنى لما لم يسم فاعله، ومعنى "نتجت" أي: ولدت عنده.
"وأقاما بينة" كل واحد منهما أقام بينة، ومن المعلوم أن هاتين البينتين متناقضتان، هذه تشهد بأنها ولدت عند زيد والأخرى تشهد بأنها ولدت عند عمرو، ولا يمكن أن تولد ناقة واحدة من بطنين مختلفين، فلابد أن إحدى البيتين غير صحيحة، المهم: أن كل واحد أقام بينة.
"فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هي في بيده"، إذن الناقة الآن في يد واحد، أيهما المدعي وأيهما المدعى عليه؟ المدعى عليه الذي هي في يده، فلدينا الآن مدع ومدعى عليه، كما منهما أقام بينة، ونحن لو وقعت عندنا هذه الخصومة لمكان القاضي أول ما يطلب أن يقول للمدعي: ألك بينة؟ إذا أتى ببينة ولم يكن للثاني بينة حكم له وانتهى الموضوع، وإذا قال: ليس عندي