وهذا الحديث أصل في هذا الأمر، بمعنى: أن كل من تصرف بطريق شرعي مجتهداً فيه فلا ضمان عليه، حتى الطبيب إذا عالج المريض واجتهد وهو حاذق تماماً ثم أخفق فليس عليه شيء، إذا كان خطؤه في محل العلاج.
وما تقولون في الذي أفتى نفسه؟ مثلاً: أحد من البادية جاء إلى شخص وقال له: أعطني حبوباً فأعطاه حبوباً وقال آكل واحدة في الصباح وواحدة في السماء، وكانت هذه الحبوب تستوعب ثلاثة أيام، فقال الأعرابي: بدلاً من أخذها في ثلاثة أيام آخذها جميعاً لأجل أن أشفى اليوم، فأكلها جميعاً فكان حتفه، هلك، هل هذا مجتهد؟ لا، هذا من غير أهل الاجتهاد، ليس بطبيب، وعلى هذا يعتبر قائلاً نفسه، لكنه قتلها خطأ.
1331 - وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان». متفق عليه.
"لا يحكم" بالسكون على أن (لا) ناهية، والرفع على أنها نافية، فأما على الوجه الأول فلا إشكال، وأما على الوجه الثاني -وهو النفي- فإن العلماء -علماء البلاغة- قالوا: إذا جاء النفي في موطن النهي فإنه يكون أوكد، كأن هذا الأمر أمر ثابت لابد منه يعني: أنه لا يمكن أن يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان، وعلى هذا فما جاء بصورة الخبر في موضع الطلب فإنه يكون أقوى مما لو جاء بلفظ الطلب، كأن هذا أمر مستقر يخبر عنه خبراً ولا يطلب طلباً ومثل ذلك العكس إذا جاء الطلب في موضع الخبر صار أقوى مثل قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12]. هذه أبلغ من قوله: ونحن نحمل، لأن اللام هنا للأمر، كأنهم ألزموا أنفسهم بحمل الخطايا فهو أشد وأقوى من الوعد.
هنا: لا يحكم أو لا يحكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان، وجملة: "وهو غضبان" حالية من فاعل "يحكم" أي: والحال أنه غضبان، فما هو الغضب؟ الغضب حدة النبي صلى الله عليه وسلم بحد هو أحسن الحدود قال: «إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يفور دمه»، ثم قال: «ألا ترى إلى انتفاخ أوداجه واحمرار عينيه» فهو جمرة يلقبها الشيطان يلقيها في قلب الإنسان ثم يغلي دمه حتى لا يستطيع أن يضبط نفسه وربما غاب غيبة كاملة لا يشعر بشيء إطلاقاً، لا يدري أهو في أرض أم في سماء.