ولو أن رجلاً ليس حاكماً بل كان مفتيا ثم استفتى في مسألة من المسائل وأخطأ فيها لكن بعد أن بذل جهده ثم تبين له الخطأ فإنه لا يلزمه أن يذهب إلى القوم ويقول: يا أيها الناس، إني أخطأت فاعدلوا عما أفتيت به فلا يلزمه؛ لأنه كان في الأول مجتهداً.

وكم من صحابي وردت عنه في المسألة الواحدة عدة أحكام، فابن عباس مثلاً ورد عنه في قول الرجل لامرأته: أنت علي حرام مرة قال: لا شيء عليه هذا لغو، ومرة قال: يمين يكفرها، وتلا قوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21]، ومرة قال: إنه طلاق -فيما أظن- واختلفت أقواله في هذه المسألة هل تظنون أن ابن عباس لما قال القول الأخير ذهب يطلب الناس الذين أفتاهم ويعلن قائلاً لهم: اتركوا ما أفتيتكم به؛ لأنه قد تبين لي أنه خطأ؟ لا، ما كان ليفعل ذلك أبداً وكذلك من بعده الأئمة، لكنه إذا تبين له الخطأ لا يجوز أن يصر على رأيه الأول؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- إذا قال قولاً ثم تبين له الخطأ يصعب عليه جدا جدا أن يرجع ويظن أنه في رجوعه نقص في قيمته بين الناس، ولكن هذا من الشيطان، وبرجوعه تزداد الثقة به بين الناس؛ لأنهم يعلمون أن الرجل يتبع الحق أينما كان ولا يضره هذا، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تبين له الحق رجع إليه، لما سأله سائل عن الشهادة هل تكفر الذنب؟ قال: «نعم» ثم انصرف الرجل فجاءه جبريل فقال له: إلا الدين، فدعا بالرجل وقال: «إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفاً».

كل إنسان يجب أن يرجع إلى الحق، والرجوع إلى الحق فضيلة وليس رذيلة ولا مهانة، ونحن قلنا ولي عليها، ذكرنا الآن اثنين من الناس: القاضي والمفتي.

كذلك أيضاً ولي اليتيم أو الوصي، أحياناً يتصرف ولي اليتيم بما يراه أنه أحسن ثم يتبين الخطأ فهل يكون ضامناً؟ ولنفرض أنه فتحت مساهمة في أرض فشارك فيها هذا الولي -أعني: ولي اليتيم - بناء على أن الأراضي سوف ترتفع قيمها، ولكن الله أراد فانخفضت القيم هل نقول: إن هذا الولي يجب أن يضمن النقص؟ لا؛ لأنه مجتهد، وكذلك لو باع له شيئاً ثم تبين أنه أخطأ بعد أن بذل الجهد، ولنفرض أنه باع له سيارة بخمسين ألفاً؛ لأن هذا سعر السوق وقد اجتهد ورد إلى كل من يظن أنه يشتري السيارة وباعها، وفي أثناء اليوم تبين أن السيارة قد زادت قيمتها ضعفين هل يضمن؟ لا يضمن؛ لأنه كان مجتهداً وفي ذلك الوقت لم ير أحداً يزيد في الثمن، وعلى فقس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015