ومن فوائد الحديث: جواز تقديم العلة على الحكم كما يجوز تأخير العلة عن الحكم وهو الأصل, الأصل تقديم الحكم ثم العلة أو الدليل, لكن قد يأتي أحيانًا فيقدم العلة أو الدليل فمثلاً لو قال قائل: أنا صليت الظهر ولكن لم أنو ظهرًا نويت عصرًا, قلنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فصل الظهر, هنا قدمنا الدليل على الحكم ولا بأس أو نقول: صل الظهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الأعمال ... الخ", وأيهما الأصل: تقديم الدليل أو الحكم؟ الحكم؛ لأن الحكم كالدعوى من المدعي الذي نقول له: هات بينة. هذا الحديث الذي معنا قدم فيه التعليل على الحكم؛ لأنه قال: "فإنه وقيذ فلا تأكل", لو فرض أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: فلا تأكل, هل يستفاد من الحديث التحريم؟ نعم, لقوله: "إنه وقيذ".
إذا أمسك الكلب الصيد هل يجب غسل ما أصابه الكلب؟ معلوم أن الكلب لعابه من أخبث النجاسات يجب غسل ما أصابه سبع مرات إحداهما بالتراب, ومعلوم أنه إذا صاد الكلب صيدًا فلابد أن يصيب الصيد من لعابه فهل يجب غسله؟ اختلف العلماء في هذا, فمنهم من قال: أنه يجب غسله سبع مرات إحداهما بالتراب, قيل له: إذا وضعنا التراب على اللحم أفسده, قال: نجعل بدل التراب صابونًا أو شبهه مما يقوم مقامه, المهم: أنه لابد أن نغسله سبعًا إحداهما بالتراب, وقال آخرون: لا يجب غسله, فغسله من التنطح والتشدد, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون", وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعده كل الصيادين تصيد الكلاب لهم, ولا نقل عن أحد منهم أنه كان يغسله, ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسله, القاعدة في الشريعة الإسلامية: أنه ليس في الدين من حرج -هذه واحدة-, القاعدة الأخرى: لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين لكل هؤلاء الذين سألوه عن الصيد أنه يجب عليهم أن يغسلوه. فإذا قال قائل: قد يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين ذلك لوضوحه. فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه ليس كل الصحابة, ولاسيما الصيادون الذين في البراري يعلمون حكم لعاب الكلب, ثم إن المسالة ملحة على أن يبين الحكم لو كان هذا واجبًا فإن قال قائل: اللعاب واحد, فكيف إذا ولغ من هذا الإناء؟ نقول: يلزمك أن تغسله سبع مرات إحداهما بالتراب, وإذا سال لعابه على الصيد لا يلزم واللعاب واحد والكلب واحد, هذا الكلب الذي قلنا الآن: إن صيده لا يجب غسل ما أصابه من فمه هو الذي شرب من الإناء, وشربه من الإناء نقول: يلزمه أن يغسله سبع مرات إحداهما بالتراب, وهذا نقول: لا يلزمه, نقول: نعم إن الله -سبحانه وتعالى- يودع الأشياء ما فيه مضرة في حال دون حال, وما يدريك أن الله عز وجل رفع عن عباده ضرر لعاب الكلب في هذه الحال التي